ثمَّ إِن الصُّور الممكنة الَّتِي تَدور عَلَيْهَا الْمَادَّة الْمَذْكُورَة عشر، وَذَلِكَ لِأَن التَّعَدِّي الَّذِي هُوَ سَبَب الضَّمَان إِمَّا أَن يكون بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا كلهَا، كَمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة ليرْكبَهَا إِلَى مَكَان معِين فركبها إِلَيْهِ ثمَّ جاوزه بمسافة لَا يتَسَامَح فِي مثلهَا، أَو يكون التَّعَدِّي بعد اسْتِيفَاء بَعْضهَا، كَمَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا إِلَى مَكَان معِين فركبها قَاصِدا لَهُ وَلَكِن فِي أثْنَاء الطَّرِيق عرج إِلَى مَكَان آخر لَا يتَسَامَح فِي مثله عَادَة، أَو اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا إِلَى الْكُوفَة مثلا ذَاهِبًا وجائياً فجاوز بهَا الْكُوفَة بمسافة لَا يتَسَامَح فِي مثلهَا ثمَّ عَاد إِلَى الْكُوفَة، أَو يكون التَّعَدِّي قبل اسْتِيفَاء شَيْء من الْمَنْفَعَة، كَمَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا إِلَى مَكَان معِين فركبها إِلَى غَيره. وَفِي كلا الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ من الثَّلَاثَة إِمَّا أَن يَسْتَوْفِي بعد التَّعَدِّي الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا أَو لَا. فَهَذِهِ مَعَ الْوَجْه الأول صَارَت خمس صور، وَفِي كل من الصُّور الْخمس إِمَّا أَن تسلم الْعين المأجورة أَو تتْلف، فَتلك عشرَة كَامِلَة حَاصِلَة من ضرب اثْنَيْنِ فِي خَمْسَة، يجب الْأجر فِي كل صُورَة استوفيت فِيهَا الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا كلهَا أَو بَعْضهَا قبل التَّعَدِّي وسلمت الْعين المأجورة. وَلَكِن عِنْد اسْتِيفَاء كلهَا يجب الْأجر، وَفِي اسْتِيفَاء بَعْضهَا بِحِسَابِهِ، وَلَا يجب الْأجر لما بعد التَّعَدِّي. وَأما أجر مَا اسْتَوْفَاهُ من الْمَنْفَعَة بعد التَّعَدِّي وصيرورته ضَامِنا فَإِنَّهُ سَاقِط. فَفِي (الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ) من جَامع الْفُصُولَيْنِ مَا لَفظه: اسْتَأْجرهُ من الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة ذَاهِبًا وجائياً، فجاوز بِهِ الْبَصْرَة وَعَاد سليما إِلَى الْكُوفَة فَعَلَيهِ نصف الْأجر الْمُسَمّى عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف إِذْ غصب فَلَا يبرأ إِلَّا بِالرَّدِّ. وَبحث فِيهِ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بقوله: وَقد مر أَن من خَالف ثمَّ عَاد يجب عَلَيْهِ كل الْأجر. وبحثه هَذَا غير ناهض، لِأَن مَا مر خلاف مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْفَتْوَى على أَن الْمُسْتَأْجر لَا يبرأ بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق، وَإِذا لم يبرأ فَلَا أجر عَلَيْهِ كَمَا بعد التَّعَدِّي، كَمَا يعلم مِمَّا قدمْنَاهُ تَحت الْقَاعِدَة الأولى. وَمَا عزاهُ إِلَى أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف جزم بِهِ فِي نور الْعين والفتاوى الْهِنْدِيَّة، من غير حِكَايَة خلاف. فقد قَالَ فِي نور الْعين: " اسْتَأْجرهَا إِلَى مَكَان ذَاهِبًا وجائياً على أَن يرجع