مذهب المعتزلة في نفي الصفات

قال المصنف رحمه الله: [وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم، فأثبتوا له الأسماء دون ما تضمنته من الصفات فمنهم من جعل العليم والقدير والسميع والبصير كالأعلام المحضة المترادفات، ومنهم من قال: عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بصير بلا سمع ولا بصر، فأثبتوا الاسم دون ما تضمنه من الصفات.

والكلام على فساد مقالة هؤلاء وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات].

هذه هي النزعة الثالثة.

وقد يقول قائل: قد سبق أن أشار المصنف إلى ثلاث نزعات: نزعة الباطنية، ونزعة المتفلسفة، ونزعة المتكلمين الجهمية، لكنه هنا لم يذكر الجهمية.

والجواب: أن هذا من باب التعريف بالحقائق، بمعنى: أن المصنف يرى أن هذا المذهب جوهره وحقيقته ونتيجته نتيجة مذهب ابن سينا في أنه جعله الوجود المطلق؛ لأنهم ينفون سائر الأسماء وسائر الصفات، فلما كانت النتيجة بين الجهم بن صفوان وبين ابن سينا في الجملة واحدة، لم يقصد المصنف إلى تسمية مذهب الجهم هنا؛ لأنه -في الحقيقة- داخل في كلام ابن سينا، لكن ابن سينا صرح به تصريحاً فلسفياً، وأما الجهم بن صفوان فرتبه ترتيباً كلامياً، ولم يصرح به تصريحاً فلسفياً، وإلا فالنتيجة في الجملة نتيجة واحدة، ولا يلزم من هذا اتفاقهم في كل شيء.

هذا هو السبب في كون المصنف لم يصرح بمذهب الجهم لما ذكر المتكلمين هنا، وإنما قال: (وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة) أي: قاربوا المتفلسفة كـ ابن سينا، فإذا كان المعتزلة قاربوهم، فـ جهم قد وافقهم؛ ولذلك يقول ابن تيمية عن ابن رشد: "إن ابن رشد أقرب إلى الشريعة في هذا الباب من جهم بن صفوان "، مع أن ابن رشد رجل فلسفي، وهذا يبين أن المصنف - ابن تيمية - ينتهي إلى أن نظرية الجهم نظرية غالية، ولو أنه قال: ومذهب ابن سينا وابن رشد؛ لما استغرب؛ لأن كليهما فلسفي، مع أن النتيجة أن الجهم أقرب إلى ابن سينا من أبي الوليد ابن رشد، وإن كان هناك في المقدمات تراتيب مختلفة.

ومن دقة المصنف أنه قال: (وقاربهم) بمعنى: أن مذهب المعتزلة ليس هو مذهب المتفلسفة، أو الغلاة من المتكلمين كـ جهم بن صفوان؛ بل إن المعتزلة أقرب إلى الشريعة من الجهم ومن المتفلسفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015