وقوله رحمه الله: (فأثبتوا له الأسماء دون ما تضمنته من الصفات):
لقد أثبت المعتزلة أسماء الله تعالى من حيث الجملة، ولم يثبتوها إثباتاً تفصيلياً كإثبات أهل السنة، فهناك فرق بين إثبات المعتزلة وإثبات الأئمة المتقدمين من الفقهاء والمحدثين، وهذا الفرق من وجهين:
الوجه الأول: أن الأئمة يثبتون سائر ما ورد به الكتاب والسنة، بخلاف المعتزلة فإنها ردت كثيراً من السنة بحجة أنه آحاد، وهذا له جواب آخر.
الوجه الثاني: أن الأئمة إذا أثبتوا الاسم أثبتوا ما دل عليه من المعنى القائم بذات الرب على ما يليق بجلاله، وهي الصفة التي تضمنها ذلك الاسم، أما المعتزلة فإنهم إذا أثبتوا الاسم أثبتوا ما دل عليه من المعنى حكماً، ولم يثبتوه معنىً قائماً بذات الرب، أي: ينفون الصفة التي دل عليها ذلك الاسم.
فمثلاً: لا يقولون: إن الله لا يتصف بالعلم، أي: لا يعلم الأشياء، ولا يقولون: إن الله لا يسمع ولا يبصر الأشياء، وإنما يثبتون أحكام هذه الصفات، فإذا قيل للمعتزلي: هل الله بكل شيء عليم؟ فيقول: نعم، يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن.
ولذلك كفّرت المعتزلةُ القدريةَ الغلاة الذين ينكرون علم الله تعالى.
وإذا قيل للمعتزلي: هل أحاط الله بالأشياء إدراكاً؟ فيقول: نعم، يدرك الأشياء لكن لا بسمع ولا ببصر.
وهذا هو ما يسمى: (حكم الصفة)، إذ أن الاسم فيه حكم وفيه معنىً الذي هو القيام بالذات، فالمعتزلة تثبت المعنى حكماً، بمعنى: أنهم لا يقولون: إن الله لا يتصف بالعلم من كل وجه، إنما يقولون: عليم، ولكن ليس بعلم يقوم بنفسه، إنما عليم بذاته، أو عليم بعلم هو هو، أو ما إلى ذلك من تعبيرات أئمتهم.
إذاً: المعتزلة يثبتون حكم الصفة ولا ينكرونه؛ لأنهم لو أنكروا حكم الصفات لكفروا على التصريح؛ لأن من يقول: إن الله لا يعلم الأشياء، لا يجادل أحد في كفره، لكنهم يقولون: إن الله عليم بذاته، لكن ليس بعلم يقوم بذاته، وبصير بذاته ليس ببصير يقوم بذاته ..
وهذا حتى لا يتصف بالصفات التي تضمنتها الأسماء الحسنى.