لم يذكر المصنف هنا التشبيه، وقد قال بعض المتأخرين: إن كلمة (التشبيه) ذكرها غير مناسب؛ لأن هذه الكلمة لم تذكر في القرآن، وربما عللوا ذلك بأنه ما من شيئين إلا ويقع بينهما قدر من التشابه، ومن هنا تركوا هذه الكلمة.
والصواب أن يقال: إن التصريح بنفي التشبيه صحيح، وإن لم يذكر في القرآن، وذلك لوجهين:
الوجه الأول: أن العلم بتنزيه الباري عن مشابهة الخلق معلوم بالكتاب والسنة والإجماع والعقل، وإن لم يصرح بهذه الكلمة في القرآن، فإن الله سبحانه وتعالى منزه عن التشبيه، ولذلك لا غرو ولا عجب من ذكرها، وإن لم ينطق بها القرآن؛ لأنه ذُكِر في القرآن ما هو أتم من جهة المعنى والمراد وهو التمثيل.
ثم إن التشبيه والمشابهة وإن لم تذكر في القرآن بنصها؛ فإنه ذُكر في القرآن ما يدل عليها، كقوله سبحانه وتعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] وغير ذلك من الآيات؛ مما يدل على أن مسألة التشبيه منفية في القرآن، وإن كان هذا الاسم لم يصرَّح بذكره.
ومعلوم أنه إذا ورد سؤال: هل الباري منزه عن مشابهة خلقه؟ فإن الجواب يكون: نعم.
عقلاً وشرعاً.
الوجه الثاني: أنه إذا ذكر معتقد الصحابة ومن وافقهم واتبعهم بإحسان قيل: من غير تشبيه؛ لأن المخالفين الذين ظهروا بعد عصر الصحابة اتهموا وطعنوا في الأئمة بحجة أنهم أهل تشبيه، فطعنت المعتزلة وأئمة الجهمية الأولى على أئمة السنة والجماعة بأنهم مشبهة، وأكثروا من إضافة التشبيه إلى مذهب السلف، فلما اشتغل المخالفون بهذه الإضافة ونسبوا الأئمة إلى التشبيه؛ كان لا بد من التصريح بذلك.
ولذلك فإن من الحكمة والفقه أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى منزه عن التمثيل والتشبيه.
والذي يعاب ويعد من التقصير أن يذكر نفي التشبيه ولا يذكر نفي التمثيل، وأما جمعهما فهو الحكمة، وإنما قيل: (هو الحكمة)؛ لأن كلمة (التمثيل) مذكورة بالنفي في القرآن، وكلمة (التشبيه) لو لم يكن من موجب ذكرها إلا أن المخالف أضاف مذهب أهل السنة والجماعة إلى التشبيه لكان هذا كافياً.
ومما يُتعجب منه: أن بعضهم يقول: لا نذكر كلمة التشبيه.
ويعلل ذلك ببعض التعليلات، ثم إذا ذكر القياس قال: إن الله سبحانه وتعالى يستعمل في حقه قياس الأَولى.
مع أن كلمة (القياس) غير مذكورة في القرآن، وأصل كلمة القياس في لسان العرب تدل على نوع من التشابه والتشاكل بين الشيئين وبين الماهيتين.