وقوله: (ولا تعطيل):
التعطيل: هو تفريغ الصفات عن حقائقها، إما بنفي ما هو من كلماتها؛ لعدم ثبوته، كنفي بعض الأحاديث بحجة أنها من الآحاد، أو مما لا يصح، وإما بتفريغ معانيها عن حقائقها الشرعية الدالة عليها.
وهذا الاسم -أي: التعطيل- ليس من الأسماء المذكورة في القرآن؛ ولكن المصنف ذكره لأنه وصف يدل دلالة بينة على حقيقة هذه المذاهب، فكأن المصنف يريد أن يقول: إن هذه المذاهب التي استعملها من استعملها من المتكلمين نتيجتها التعطيل لصفات الله سبحانه وتعالى، وإلا فلا أحد من المسلمين يقول: إنه معطل لصفات الله؛ لكن هذا المذهب الذي هو نفي معاني الصفات، ونفي قيام الصفات بالذات، وما إلى ذلك، حقيقته أنه تعطيل للرب عن كماله؛ فإن من خرج عن محكم آيات الكتاب والسنة فإنه يكون معطلاً للرب سبحانه وتعالى عن كماله؛ ولذلك ذكر المصنف هذا التعبير الذي نقول: إنه تعبير وصفي عن حقيقة هذا المذهب.
وهذا التعبير الوصفي -وهو التعطيل- هو الذي سماه ابن سينا في كتبه: (التجريد)، ولذلك تجد في كتب ابن سينا عبارة التجريد الإلهي، وهو يَقصد بالتجريد الإلهي: نفي الصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى، فلكلٍ استعمالٌ من النظار والمتفلسفة والمتكلمين؛ ولكن درج الأئمة المتقدمون من أهل السنة والجماعة على أن يسموا هذا تعطيلاً؛ ولذلك تبرءوا من طريقة المعطلة.
وهذا السياق من كلام المصنف لما قال: (من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل) يبين به وسطية أهل السنة والجماعة، وأنهم يثبتون صفات الله سبحانه وتعالى على ما اقتضاه سياق القرآن، ولا يزيدون في الإثبات على الحقائق القرآنية، ويفقهون كتاب الله بما اقتضاه لسان العرب؛ فإن القرآن نزل بلسانهم، وقد أخبر الله في كتابه في غير موضع أنه نزل بلسان عربي مبين، فهم لا يزيدون على القرآن؛ لا في حروفه، ولا في معانيه، ويعتبرون هذه الوسطية بالبراءة من التكييف والتمثيل، وبالبراءة من التعطيل والتحريف، فهم وسط بين هؤلاء وهؤلاء.