أقسام الألفاظ المعبر بها في باب الصفات

والكلمات التي يعبر بها في مقام صفات الله تكون على أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن تكون كلمات واجبة الاستعمال.

الوجه الثاني: أن تكون كلمات سائغة الاستعمال.

الوجه الثالث: أن تكون كلمات يرخص في استعمالها لمصلحة.

الوجه الرابع: أن تكون كلمات ممنوعة الاستعمال.

أما الكلمات الواجبة الاستعمال فهي: الكلمات القرآنية والنبوية؛ كالاستواء، والسمع، والبصر، والنزول، والإتيان، وما إلى ذلك.

وأما الكلمات التي يسوغ استعمالها فهي: ما كان خبراً عن الباري سبحانه وتعالى مما لم يصرَّح بذكره في القرآن، وإنما يُخبر عنه على مقام الإثبات، أو يُخبر عنه على مقام النفي، ومن هذا كلمة (التشبيه)، فإنها من باب التنزيه له سبحانه وتعالى، وإن لم تذكر بنصها في القرآن؛ فيُرخص في استعمالها.

وأما الكلمات التي يسوغ استعمالها للمصلحة فهي: بعض الألفاظ المجملة في حال المناظرة، وقد ذكر ابن تيمية في درء التعارض أن مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم يكون مرخصاً فيه إذا اقتضت المصلحة الراجحة، ولكنهم لا يوافقون على شيء من المعاني الباطلة، ولا يلزم من هذه الكلمة التي ساغت في مقام أن تكون سائغة في سائر المقامات، بمعنى: أنه قد يسوغ لك المناظرة أن تتكلم ببعض المصطلحات، ولكن هذا مقيد بهذه المناظرة التي قضت الحاجة بها، ولا يلزم من ذلك أن يكون هذا المصطلح الذي تستعمله في هذا المقام مستعملاً في سائر المقامات.

وأما ما كان ممنوع الاستعمال فهو: ما تضمن نقصاً، أو نفي كمال عنه سبحانه وتعالى، فإن هذا لا يكون مرخصاً فيه.

ومن هنا نقول: إن كلمة (القياس) يجعلها بعضهم من القسم الثاني، وبعضهم يجعلها من القسم الثالث.

والفرق بينهما: أن القسم الثاني -وهو الألفاظ سائغة الاستعمال- يعني الألفاظ التي يسوغ أن يبتدأ بها من دون إجبار على ذلك، وذلك في غير مقام المناظرة، أو الرد، أو ما إلى ذلك.

وهذا فيما يظهر أنه ليس صحيحاً؛ بل الظاهر أن (القياس) من القسم الثالث، فإنه لا يقال في حق الله سبحانه وتعالى: (يستعمل في حقه قياس الأولى) ابتداءً، ثم يقال: وقياس الأَولى هو المثل الأعلى المذكور في قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60] فتكون الآية دليلاً لهذا الاسم؛ بل الأصل أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى، ويُعلَّم المسلمون أن الله له المثل الأعلى، أي: الوصف الأكمل.

أما أن المصطلحين من النظار بعد ظهور المصطلحات والمنطق وغير ذلك سمَّوا هذا: (قياس الأولى) فهذه مسألة اصطلاحية لا يبتدأ بها؛ ولكن عند المناظرة يقال: إن ما كان من باب قياس الأولى فإن معناه يكون صحيحاً لائقاً بالله، وإلا فإن الابتداء بكلمة القياس بيِّن الذم، فمجرد أنك تقول: إن الله يستعمل في حقه القياس، ثم تفسر هذا القياس ولو بمعنىً صحيح، فإن الكلمة من أصلها أقل ما يقال فيها: إنها كلمة مجملة.

ومعلوم أن من يتكلم بهذا -ولا سيما بعد ظهور المصطلحات المتأخرة عند متكلمة الصفاتية- كـ ابن تيمية وغيره يذكرون قاعدة: (أن ما كان من الألفاظ مجملاً حادثاً فإنه لا يطلق)، وكلمة (القياس) أقل ما يقال فيها: إنها كلمة مجملة حادثة.

إذاً: التباعد عن هذه الكلمة هو الفقه، وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر مسألة القياس في العقيدة الواسطية وقال: "إنه يُستعمل في حق الباري قياس الأولى"، قال: "وهو معنى قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60]، وهذا الكلام الذي ذكره ابن تيمية صحيح، لكن نقول: إنه يكون في مورد إبطال أدلة المخالفين والرد عليهم، وبيان أن معتقد أهل السنة والجماعة معتبر بالعقل كما هو معتبر بالشرع، وقد تقدم أن ما يتعلق بالمعتقد يذكر على طريقتين:

الأولى: أن يكون من باب التقرير.

الثانية: أن يكون من باب الرد.

أما باب التقرير فإنه يقصد فيه إلى ذكر الكلمات والجمل الشرعية النبوية، وباب الرد لا مانع من استخدام الألفاظ المجملة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015