وقوله: (وما سكت عنه السمع نفياً وإثباتاً، ولم يكن في العقل ما يثبته ولا ينفيه, سكتنا عنه، فلا نثبته ولا ننفيه).
فمثلاً: ما يتعلق بالأكل والشرب، فهل سكت عنه السمع أو لم يسكت عنه؟
الجواب: أنه إذا قصد اللفظ فإنه سكت عنه، وسكوت السمع عنه بذكر لفظه بالتفصيل هو من كمال السمع، أي: من كمال القرآن في تحقيق الإثبات، وفي تحقيق التنزيه، وأما أنه سكت عنه من حيث المعنى فلا؛ فإن الله لما ذكر مقامه سبحانه وتعالى من الربوبية؛ علم غناه عما سواه، ومما سواه ما يتعلق بالمأكول والمشروب ونحو ذلك.
إذاً: فما يتعلق بالصفات اللازمة؛ فإن هذه صفات في الجملة يكون شأنها بيناً، لكن ما يتعلق بمفصل الأفعال التي سكت السمع عنها, والعقل لا ينفيها ولا يثبتها، فإن هذه يجب السكوت عنها.
فمثلاً: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فهذا فعل معين مختص، وأخبر الله تعالى في القرآن أنه يجيء لفصل القضاء، وهذا فعل مختص، ولا شك أن أفعالاً كثيرة مختصة لم ينطق بها السمع على التعيين، فإذا ما فرضت قيل: إن هذا مما لا يمنعه العقل، فلا يجوز نفيه، وما لم ينطق به السمع بالتصريح فلا يجوز إثباته؛ لأنه قد يكون ليس كذلك، ليس لعدم قابلية الرب له، وإنما لعدم ذكر السمع له بالتصريح.
إذاً: ما يتعلق بأفعال الرب سبحانه وتعالى، كإخباره بأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} [الفجر:22] فإن هذه أفعال تثبت؛ لأن السمع جاء بها، وهي صفات كمال، وما كان من نوع هذه الأفعال ولكن السمع لم يذكرها على التخصيص، كفعل مفرد من أفعاله، فلو فرضه فارض فإنه لا يثبت؛ لأن السمع لم يأت به، ولا ينفى؛ لأن العقل لم يدل على نفيه.
وقد يقول قائل: لماذا لم يدل العقل على نفيه؟ فيقال: إما أن يكون الشيء منفياً لعدم مجيء السمع به، وهذا وجه، لكن قد يكون الشيء واقعاً في نفس الأمر، ولكنك لم تستطع العلم بوقوعه لأن الله لم يخبر بوقوعه، وقد يكون هذا الفعل ليس واقعاً في نفس الأمر، فيكون نفيه لعدم مجيء السمع به، ولعدم وقوعه في نفس الأمر، وإن كان العلم بعدم وقوعه علماً ممتنعاً، لكن عدم الوقوع ليس لعدم قابلية الرب له، وإنما لعدم إرادته ومشيئته.