قال المصنف رحمه الله: [ثم قد علم أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل عاليه مفتقراً إلى سافله، فالهواء فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله الأرض، والسحاب أيضاً فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله، والسماوات فوق الأرض، وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها].
ففي آيات الله الكونية ما يكون موافقاً لآياته الشرعية، وهذا ما يسمى بالاطراد الحسي، وهو من الضروريات، فإنه من المعلوم عقلاً أن مسألة الافتقار لا تلزم في كثير من الأوجه بين المخلوقات نفسها، فمن باب أولى أن لا يكون الخالق مفتقراً إلى المخلوق.
قال رحمه الله: [فالعلي الأعلى، رب كل شيء ومليكه، إذا كان فوق جميع خلقه؛ كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى خلقه أو عرشه؟ أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار، وهو ليس بمستلزم في المخلوقات؟! وقد علم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره، فالخالق سبحانه أحق به وأولى].
يقول المصنف: إذا كان بعض المخلوقات ليس مفتقراً للبعض الآخر، فمن باب أولى في الامتناع المحقق الضروري أن لا يكون الخالق مفتقراً إلى شيء من مخلوقاته؛ لأنه إذا كان مفتقراً إلى شيء من مخلوقاته لم يكن رباً, تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً!
ولا أحد من المسلمين يقول: إن الله مفتقر إلى خلقه، لكن المقصود أنهم تأولوا الصفات وعطلوها عن كمالها اللائق بالله؛ لأنهم توهموا فيها هذه الأوجه، وهذا التوهم لا معنى له؛ لأن وروده في تفسيرهم للآيات غلط محض؛ لأنه يمتنع أن يكون محتملاً في دلالة القرآن ما يكون معنىً معلوم الامتناع في العقل والشرع.
وقوله: (وقد علم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره، فالخالق سبحانه أحق به وأولى):
سيأتي -إن شاء الله- في القاعدة السادسة تفصيل لهذه القاعدة: وهي أن كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه؛ فإن الخالق أولى به.