قال المصنف رحمه الله: [هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك، أو توهمه، أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله، أو جوز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق.
بل لو قدر أن جاهلاً فهم مثل هذا، أو توهمه؛ لبين له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل عليه اللفظ أصلاً، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه، فلما قال سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ} [الذاريات:47] فهل يتوهم متوهم أن بناءه مثل بناء الآدمي المحتاج، الذي يحتاج إلى زبل، ومجارف، وأعوان، وضرب لبن وجَبْل طين؟!].
يقول المصنف: إنه يكفي غلطاً عند هؤلاء أنهم ظنوا أو فرضوا أن القرآن دلَّ بظاهره على هذا المعنى الباطل الذي أجمع المسلمون على أنه باطل، فيقول: مجرد أنهم فرضوا أن القرآن بظاهره يدل على هذا المعنى الذي استقر عند المسلمين جميعاً أنه غلط ينزه الله سبحانه وتعالى عنه، وهو الاستواء اللائق بالمخلوق، أو الذي يختص بالمخلوق، أو الذي يشارك المخلوق في خصائصه -يقول: تفسير النص بذلك وحده يكون كافياً في بيان أن هذا من التوهم الغلط؛ لأن الحق -وهو القرآن- لا يمكن أن يكون محتملاً ..
وهذه من القواعد التي سبق أن أشرت إليها.
ويمكن أن يقال في المناظرة: من المستقر عند المسلمين أن القرآن لا يمكن أن يكون محتملاً من جهة الدلالة لمعنىً باطل؛ فضلاً عن أن يفسر به؛ فضلاً عن أن يقال: إنه هو ظاهر اللفظ، فيذهب إلى نفيه؛ فإن هذا يلزم عليه لوازم باطلة، منها: هذا المعنى الذي نفوه وقالوا: نفيناه بالعقل؛ مع أن ظاهر السمع أثبته ..
فيلزم من هذا أن لا يكون القرآن هدىً للناس؛ بل يلزم أن يكون الناس بعقولهم قبل القرآن أضبط في باب الصفات؛ لأنهم قبل ورود القرآن لم تأتهم ظواهر تشكل على هذه الحقائق العقلية الموجودة عندهم.
وقد عني المصنف بهذا الأمر في الرسالة الحموية، فقد ذكر مثل هذا التسلسل، وأنه يلزم على هذا أن لا يكون القرآن هدىً للناس، ولا بينات من الهدى والفرقان، ولا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويلزم أن يكون الناس قبل الأنبياء أحسن حالاً منهم بعد الأنبياء الذين شوشوا عليهم بهذه الظواهر التي لا يليق ظاهرها بالله تعالى ..
ونحو ذلك.