صفة العلو

قال المصنف رحمه الله: [وكذلك قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:16] من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السماوات، فهو جاهل ضال بالاتفاق، وإن كنا إذا قلنا: إن الشمس والقمر في السماء، يقتضي ذلك، فإن حرف (في) متعلق بما قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف والمضاف إليه].

لقد غلط كثير من الطوائف ففسروا كلام الأئمة -الذين قالوا: إن الله في السماء وإنه في العلو- بأنهم يقولون: إن الله في السماء في مكان مخلوق، وبأنهم يجعلون الله محتاجاً إلى السماء ..

ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه غلط على الأئمة، فإن المقصود بكلامهم وإجماعهم: أن الله سبحانه وتعالى في السماء، أي: في العلو، وليس معنى ذلك أنه على معنى قولنا: إن بني آدم في الأرض، وإن الملائكة في السماء، فإن بني آدم محتاجون إلى الأرض، والملائكة محتاجون إلى هذه السماء التي تحويهم، والله تعالى غير محتاج إلى شيء من خلقه.

فقولهم: (إن الله في السماء) معناه: أن الله فوق الخلق، ومعلوم أن السماء هي العلو، وإذا ما فسرت السماء بالسماوات السبع قيل: معنى ذلك: أنه على السماء، فهو فوق هذه السماوات السبع، وقد قال الله عن كرسيه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:255] فلا يمكن أن يفسر العلو والفوقية بمثل هذه التفسيرات الباطلة التي توهمها من توهمها ولم يقلها أحد من أهل العلم، بل لم يقلها أحد من المسلمين، والحقيقة أنه لا أحد من المسلمين يصف الله بهذا النقص، لكن لما توهم من توهم أن معنى مقالة الأئمة هو هذا المعنى؛ ذهبوا ينفونها، واستعملوا بدلاً عنها: (لا داخل العالم ولا خارجه)، ففروا من هذا النقص -الذي هو نقص بحق، لكنه لم يكن قولاً للأئمة- فروا من هذا النقص إلى ما هو شر منه، فإنهم قالوا قولاً لا يستلزم التشبيه؛ بل يستلزم الامتناع، ولك أن تقول: لا يستلزم التشبيه بالمخلوقات؛ بل يستلزم التشبيه بالممتنعات، وذلك حين قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه؛ فإن هذا هو حكم الممتنعات أو المعدومات على أقرب الأحوال.

وقوله: (وإن كنا إذا قلنا: إن الشمس والقمر في السماء، يقتضي ذلك، فإن حرف (في) متعلق بما قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف والمضاف إليه):

فإذا أضيف إلى الله فلا شك أنه مختص به، وإذا أضيف إلى المخلوق فلا شك أنه مختص به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015