قال المصنف رحمه الله: [الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات، من صفات الموات والجمادات، أو صفات المعدومات].
هذا هو المحذور الرابع، وهو أنه يلزمه إذا لم يثبت هذه الصفة، أن يصف الرب سبحانه وتعالى بصفات الجمادات، أو صفات المعدومات؛ لأنه لا يصح عقلاً -وهذا ما يسمى بالسبر والتقسيم العقلي- أن يقال: إما أن تثبت هذه الصفة -كالعلم مثلاً- على وجه من التشبيه، وإما أن تثبت على وجه مختص بالله سبحانه وتعالى يليق به، لا يشاركه فيه غيره، وإما أن تنفى عن الله مطلقاً ..
فهذه ثلاثة أوجه:
الأول: أن تثبت الصفة على وجه من التشبيه.
الثاني: أن تثبت الصفة على وجه مختص بالله يليق به لا يشاركه فيه غيره.
الثالث: أن تنفى هذه الصفة بأي طريقة من طرق النفي، وطرق النفي كثيرة، لكنها في النتيجة ترجع كلها إلى أن هذا نفي للصفة.
هذا هو السبر العقلي، بمعنى: أن الحكم العقلي الضروري لا يخرج عن أحد هذه الأوجه، فيقول المصنف: أما الوجه الأول -وهو أن تثبت الصفة بوجه من التشبيه- فهذا مما لا يقول به الأئمة, ولا يحل لأحد أن يقول به، ولم يقل به أحد على جهة القصد، أي: أنه قصد تشبيه الله بخلقه، وإن كان ربما تضمن كلام بعض الطوائف تشبيهاً، لكنهم لم يقصدوا هذا النقص.
قال: وأما نفي هذه الصفة فإنه تعطيل للكمال، ووصف للباري سبحانه وتعالى بنوع من التشبيه الذي فروا منه في الوجه الأول، فإن الوجه الأول إنما فر عامة المسلمين منه لأنه تشبيه لله بخلقه، حتى من وقع في مادة من التشبيه فإنه لا يحقق هذا التشبيه ويقول: إن الله مشابه للمخلوقات على نوع من الاشتراك في الاختصاص.
فيقول: إن الوجه الذي أوجب فرارهم يرد عليهم في الوجه الثالث، وهو النفي؛ لأن النفي إما أن يكون تشبيهاً بالجمادات، أو بالمعدومات، أو بالممتنعات، ومعلوم أن التشبيه الذي نفاه العقل والشرع هو أن الله سبحانه وتعالى منزه عن مشابهة غيره، سواء كان هذا الغير مخلوقاً حياً، أو مخلوقاً جامداً، أو كان شيئاً متخيل الوجود
أو كان غير ذلك.
وعليه: فإن هذا السبر والتقسيم يدل على لزوم إثبات الصفة، وهذه القاعدة العقلية -وهي السبر والتقسيم- يصح استعمالها في أي صفة من الصفات، فيقال: إما أن تثبت الصفة بوجه من التشبيه، أو تنفى، أو تثبت بوجه من الاختصاص اللائق بالله تعالى.
قال المصنف رحمه الله: [فيكون قد عطل صفات الكمال التي يستحقها الرب تعالى، ومثله بالمنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل، فيكون ملحداً في أسمائه وآياته].
وهذه هي المحاذير الأربعة: أنه عطل، ومثل، وحرف الكلم عن مواضعه، وهذا هو باعتبار الحقائق، وإلا فلو سئل أحد من هذه الطوائف: ما حكم تحريف القرآن؟ لقال: تحريف القرآن كفر، فإن قيل: فما وقع في كلامكم؟ لقال: هذا من باب التأويل.
فكون هذا من التحريف إنما هو باعتبار الحقائق اللازمة، وليس لأن هؤلاء يقصدون إلى التحريف؛ لأن من قصد التحريف على معناه وعلى لفظه فإنه لا يكون من أهل القبلة والإسلام.