قال المصنف رحمه الله: [الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير علم، فيكون معطلاً لما يستحقه الرب تعالى].
قوله: (أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير علم):
لأنه لم يبن نفيه لهذه الصفات -التي ذهب إلى تأويلها- على علم؛ لا من الشرع ولا من العقل، وقد سبق كثيراً أن الشرع والعقل يقضيان بأن هذه الصفات صفات كمال، ولذلك عندما تكلم المصنف سابقاً عن مسألة القابلية، وما قالوه من تقابل السلب والإيجاب، والعدم والملكة، وما إلى ذلك؛ ذكر من أوجه الرد: أن هذه الصفات من حيث هي صفات كمال، فإثباتها إثبات واجب من حيث الإثبات الذاتي، وليس من جهة قرائن أخرى استلزمت هذا الإثبات.
فمثلاً: صفة العلم، إذا ذكرت هذه الصفة على باب الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص، فإنها عند سائر العقلاء، وبأي لسان عبر عنها صفة كمال، وقد علم كمالها من وجهين:
الأول: من جهة الأدلة.
الثاني: أن العلم بكون هذه الصفات صفات كمال علم ضروري؛ لأن سائر العقلاء من بني آدم إذا ما ذكرت لهم صفة العلم -مثلاً- فهموا أن هذه الصفة من صفات الكمال، وإذا ذكرت لهم صفة الجهل فهموا أن هذه الصفة صفة نقص.
فيقول المصنف: بأي دليل تأولوا هذه الصفة لينفوا وجهاً من التشبيه الذي ظنوا أنه لازم لها؟ وقد تضمن هذا النفي لهذا الوجه من التشبيه الذي توهموه التعطيل لسائر الصفات.
ثم إن العقل لو عرض عليه سؤال: أيمكن أن تثبت هذه الصفة لله سبحانه وتعالى دون أن تكون مشابهة لصفات خلقه؟ لكان جواب العقل بالإيجاب، ولابد أن يكون الأمر كذلك؛ لأن الله تعالى يفعل، والله يقول: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:23] والخلق يفعلون، ومع ذلك لم يكن هذا الفعل منه سبحانه وتعالى كفعل مخلوقه
وهكذا.