قال المصنف رحمه الله: [إذا قيل لهم: هذا ممتنع في ضرورة العقل، كما إذا قيل: ليس بقديم ولا محدث، ولا واجب ولا ممكن، ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره، قالوا: هذا إنما يكون إذا كان قابلاً لذلك، والقبول إنما يكون من المتحيز، فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين النقيضين].
وهذا هو الممتنع: أن ما ليس بداخل العالم ولا خارج العالم، لا يكون إلا شيئاً معدوماً أو شيئاً ممتنعاً، أما ما كان موجوداً -ولا سيما إذا قيل: إنه موجود قائم بنفسه- فهذا لا بد أن يكون متصفاً بحقيقة الوجودية، وهذا ليس له صلة بالعلم بالكيفيات؛ بل يعتبر من العلم بأوائل الكليات العقلية، أن الموجود لا بد أن يقال: إنه داخل العالم، أو إنه خارج عنه؛ لأن هذا من باب النقيضين، وهو كقولنا: إما أن يكون موجوداً، وإما أن يكون معدوماً.
لكنهم يعترضون على هذا بمسألة القابلية، فيقولون: إن هذا في المتحيز، فإنه يقال عن الإنسان أو عن الجبل مثلاً: إما أن يكون داخل العالم، وإما أن يكون خارج العالم.
فيقال: إن هذا الوصف يصح للمتحيز، لكنه ليس وصفاً للمتحيز فقط، وإنما قبله المتحيز -على تسميتكم- لكون المتحيز موجوداً، فالآدمي قابل لهذا المعنى لأنه موجود، وهو إما أن يكون خارج العالم أو داخل العالم، ولما علم امتناع كونه خارج العالم؛ دل على أنه داخل العالم.
إذاً: هذا الوصف يصح للآدمي لكونه موجوداً؛ لأن كل ما سوى الله تعالى سيكون داخل العالم, والعالم هو كل ما سوى الله تعالى، وكل شيء موجود مهما كانت طريقة قيامه أو صفته أو ما إلى ذلك لا بد أن يكون داخل العالم, فعلم من ذلك اختصاص الباري سبحانه وتعالى بأنه بائن عن خلقه.
لكن هذا التعبير -وهو قولهم: داخل العالم وخارج العالم- لا يوجد في القرآن؛ لأن الله تعالى قد عبر في القرآن بأشرف السياقات المذكورة في قول الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] ولا شك أن العلو تحقيق للمباينة على معنىً فاضل؛ لأن المباينة قد تكون على معنى ناقص، وهو أن يكون الخلق أعلى منه، أو ما إلى ذلك، ولذلك وصف الله تعالى نفسه بالعلو، وبالفوقية، وأنه في السماء ..
إلى غير ذلك.