ويقال: جاء ناس من بني تغلب إلى بكر بن وائل يستسقونهم، فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم،

فرجعوا فمات منهم سبعون رجلا عطشا. ثم أن بني تغلب اجتمعوا لحرب بكر بن وائل، واستعدت

لهم بكر حتى إذا التقوا كره كل صاحبه، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت، فدعا بعضهم بعضا

إلى الصلح فتحاكموا في ذلك إلى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني

بسبعين رجلا من بكر بن وائل فأجعلهم في وثاق عندي، فان كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن

لم يكن لهم حق خليت سبيلهم. ففعلوا وتواعدوا ليوم يجتمعون فيه، فقال الملك لجلسائه: من ترون من

بني تغلب تأقي به لمقامها هذا؟ فقالوا: شاعرهم وسيدهم عمرو بن كلثوم. قال: فبكر بن وائل؟

فاختلفوا عليه وذكروا غير واحد من أشراف بكر بن وائل، قال: كلا والله لا تفرُج بكر بن وائل إلا

عن الشيخ الأصم يعثر في ريطته فيمنعه الكرم أن يرفعها حتى يرفعها قائده فيضعها على عاتقه. فلما

أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم حتى جلس إلى الملك. وقال الحارث بن حلزة: أني قد

قلت خطبة فمن قام بها ظفر بحجته وفلج على خصمه. فرواها ناسا منهم، فلما قاموا بين يديه لم

يرضهم، فحين علم إنه لا يقوم أحد مقامه قال لهم: والله لأكره أن آتي الملك فيكلمني من وراء سبعة

ستور وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه - وذلك لبرص كان به - غير أني لا أرى أحدا يقوم

بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم. فانطلق حتى أتى الملك، فلما نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك:

أهذا يناطقني وهو لا يطيق صدر راحلته! فأجابه الملك حتى أفحمه. وأنشد الحارث قصيدته:

آذنتْنا ببينها أسماء

وهو من وراء سبعة ستور، وهند تسمع، فلما سمعتها قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط أن رجلا يقول

مثل هذا القول يُكلم من وراء سبعة ستور! فقال الملك: ارفعوا سترا. فدنا فما زالت تقول ذلك ويرفع

ستر فستر حتى صار مع الملك على مجلسه، ثم أطعمه في جفنته وأمر ألا ينضح أثره بالماء، وجز

نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر ودفعها إلى الحارث. وأمره ألا ينشد قصيدته إلا

متوضئاً. فلم تزل تلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015