محسوسًا مما يحل غلقًا: كالقفل، وعلى ما كان معنويًّا.
وذكر خمسًا وإن كان الغيب لا يتناهى، لأن العدد لا ينفي زائدًا عليه، أو لأن هذه الخمس هي التي كانوا يدعون علمها:
(لا يعلم أحد) غيره تعالى (ما يكون في غد)، شامل لعلم وقت قيام الساعة وغيره، وفي رواية سالم عن أبيه، في سورة الأنعام، قال: مفاتيح الغيب خمس {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] ... إلى آخر سورة لقمان.
(ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام) أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد إلا حين أمره الملك بذاك.
(ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدًا) من خير أو شر، وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه.
(وما تدري نفس بأي أرض تموت) كما لا تدري في أي وقت تموت.
روي أن مالك الموت مرّ على سليمان بن داود، عليهما الصلاة والسلام، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه، فقال الرجل: من هذا؟ فقال: ملك الموت. فقال: كأنه يريدني، فأمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند، ففعل. ثم أتى ملك الموت سليمان، فسأله عن نظره ذلك، قال: كنت متعجبًا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند في آخر النهار، وهو عندك.
(وما يدري أحد متى يجيء المطر) زاد الإسماعيلي: إلا الله، أي: إلا عند أمر الله به، فإنه يعلم حينئذ، وهو يرد على القائل: إن لنزول المطر وقتًا معينًا لا يتخلف عنه.
وعبر بالنفس في قوله: "وما تدري نفس بأي أرض تموت". وفي قوله: "ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدًا" وفي الثلاثة الأخرى بلفظ: أحد، لأن النفس هي الكاسبة، وهي التي تموت. قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] فلو عبر: بأحد، لاحتمل أن يفهم منه: لا يعلم أحد ماذا تكسب نفسه، أو: بأيض أر تموت نفسه، فتفوت المبالغة المقصودة بنفي علم النفس أحوالها، فكيف غيرها؟ وعدل عن لفظ القرآن، وهو: تدري إلى لفظ: تعلم، في ماذا تكسب غدًا لإرادة زيادة المبالغة، إذ نفي العام مستلزم نفي الخاص من غير عكس، فكأنه قال: لا تعلم أصلاً سواء احتالت أم لا.
وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في سورة الأنعام، والرعد، ولقمان.
بسم الله الرحمن الرحيم
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة، هنا في رواية كريمة، وسقطت لغيرها، وهي ثابتة في اليونينية.
هو بالكاف: للشمس والقمر، أو بالخاء: للقمر، وبالكاف: للشمس، خلاف يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، حيث عقد المؤلّف له بابًا.
والكسوف هو التغير إلى السواد، ومنه: كسف وجهه إذا تغير، والخسوف بالخاء المعجمة: النقصان، قاله الأصمعي. والخسف أيضًا: الذال، والجمهور على أنهما يكونان لذهاب ضوء الشمس والقمر بالكلية، وقيل: بالكاف في الابتداء، وبالخاء في الانتهاء. وقيل بالكاف: لذهاب جميع الضوء، وبالخاء لبعضه. وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون، وبالكاف: لتغيره.
وزعم بعض علماء الهيئة أن كسوف الشمس لا حقيقة له، فإنها لا تتغير في نفسها، وإنما القمر يحول بيننا وبينها ونورها باق، وأما كسوف القمر فحقيقة، فإن ضوءه من ضوء الشمس، وكسوفه بحيلولة ظل الأرض بين الشمس وبينه بنقطة التقاطع، فلا يبقى فيه ضوء البتة، فخسوفه ذهاب ضوئه حقيقة. اهـ.
وأبطله ابن العربي بأنهم: زعموا أن الشمس أضعاف القمر، وكيف يحجب الأصغر الأكبر إذا قابله.
وفي أحكام الطبري في الكسوف فوائد: ظهور التصرف في هذين الخلقين العظيمين، وإزعاج القلوب الغافلة، وإيقاظها، وليرى الناس نموذج القيامة، وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان، فيكون تنبيهًا على خوف المكر، ورجاء العفو، والإعلام بأنه قد يؤاخذ من لا ذنب له، فكيف من له ذنب؟.
وللمستملي: أبواب الكسوف بدل: كتاب الكسوف.
(باب) مشروعية (الصلاة في كسوف الشمس) وهي: سنة مؤكدة لفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمره، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والصارف