عليه بعض أهل الشرك، من إضافة المطر إلى النوء، وأن المطر كان من أجل أن الكوكب ناء أي: سقط وغاب، أو نهض وطلع، وأنه الذي هاجه (فذلك كافر بي) لأن النوء وقت، والوقت مخلوق ولا يملك لنفسه ولا لغيره مشيئًا (مؤمن بالكوكب).

ومن قال: مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرًا، قال الإمام الشافعي وغيره: من الكلام أحب إليّ، يعني: حسمًا للمادة، فمن زعم أن المطر يحصل عند سقوط الثريا مثلاً، فإنما هو إعلام للوقت والفصول، فلا محذور فيه، وليس من وقت، ولا زمن إلا وهو معروف بنوع من مرافق العباد يكون فيه دون غيره.

وحكي عن أبي هريرة: أنه كان يقول: مطرنا بنوء الله تعالى. وفي رواية: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2].

وقال ابن العربي: أدخل الإمام مالك هذا الحديث في أبواب الاستسقاء، لوجهين: أحدهما: أن العرب كانت تنتظر السقيا في الأنواء، فقطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هذه العلاقة بين القلوب والكواكب.

الوجه الثاني: أن الناس أصابهم القحط في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقال للعباس، رضي الله عنه: كم بقي من أنواء الثريا؟ فقال له العباس: زعموا، يا أمير المؤمنين، أنها تعترض في الأفق سبعًا، فما مرّت حتى نزل المطر. فانظروا إلى عمر، والعباس، وقد ذكر الثريا ونوأها، وتوكفا ذلك في وقتها.

ثم قال: إن من انتظر المطر من الأنواء على أنها فاعلة له من دون الله فهو كافر، ومن اعتقد أنها فاعلة بما جعل الله فيها فهو كافر، لأنه لا يصح الخلق، والأمر إلا لله، كما قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54].

ومن انتظرها وتوكف المطر منها على أنها عادة أجراها الله تعالى، فلا شيء عليه، لأن الله تعالى قد أجرى العوائد في السحاب والرياح والأمطار، لمعان ترتبت في الخلقة، وجاءت على نسق في العادة. اهـ.

وقوله: كذا وكذا ... هنا، كلمة مركبة من: كاف التشبيه وذا للإشارة، مكنيًا بها عن العدد، وتكون كذلك مكنيًا بها عن غير عدد، كما في الحديث: "إنه يقال للعبد يوم القيامة أتذكر يوم كذا وكذا، فعلت كذا وكذا ... ".

وتكون أيضًا كلمتين باقيتين على أصلهما من: كاف التشبيه وذا للإشارة، كقوله: رأيت زيدًا فاضلاً، ورأيت عمرًا كذا.

وتدخل عليها: هاء التنبيه كقوله تعالى: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42] فهذه الثلاثة الأوجه المعروفة في ذلك.

ووجه المطابقة بين الترجمة والحديث من جهة أنهم كانوا ينسبون الأفعال إلى غير الله تعالى، فيظنون أن النجم يمطرهم ويرزقهم، فنهاهم الله تعالى عن نسبة الغيوث التي جعلها الله تعالى حياة لعباده وبلاده إلى الأنواء، وأمرهم أن يضيفوا ذلك إليه لأنه من نعمته عليهم، وأن يفردوه بالشكر على ذلك.

ولما كان هذا الباب متضمنًا أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكوكب في نزوله، وقضية ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجيء المطر إلا هو، عقب المصنف رحمه الله هذا الباب بقوله.

29 - باب لاَ يَدْرِي مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ إِلاَّ اللَّهُ

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ».

(باب) بالتنوين (لا يدري) أحد (متى يجيء المطر إلا الله) تعالى.

(وقال أبو هريرة) رضي الله عنه: (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في سؤال جبريل عليه السلام إياه عن الإيمان والإسلام: (خمس لا يعلمهن إلا الله). رواه المؤلّف في الإيمان، وتفسير لقمان، لكن بلفظ: في خمس.

1039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ: لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الأَرْحَامِ، وَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ». [الحديث 1039 - أطرافه في: 4627، 4697، 4778، 7379].

وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله) ولأبي الوقت في نسخة، وأبي ذر، وابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله) قال الزجاج: فمن ادعى علم شيء منها فقد كفر بالقرآن العظيم.

والمفتاح، بكسر الميم وسكون الفاء، وللكشميهني: مفاتح بوزن مساجد. أي: خزائن الغيب، جمع مفتح الميم. وهو المخزن. ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري قال: مفاتح الغيب: خزائن الغيب؛ أو المراد: ما يتوصل به إلى المغيبات مستعار من المفاتح الذي هو جمع مفتح، بالكسر، وهو المفتاح. ويؤيده قراءة ابن السميقع {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59] والمعنى: إنه الموصل إلى المغيبات، المحيط علمه بها، لا يعلمها إلا هو، فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم، فيظهرها على ما اقتضته حكمته، وتعلقت به مشيئته.

والحاصل أن المفتاح يطلق على ما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015