عن الوجوب ما سبق في العيد، وقول الشافعي في الأم: لا يجوز تركها، حملوه على الكراهة لتأكدها، ليوافق كلامه في مواضع أخر، والمكروه قد يوصف بعدم الجواز من جهة إطلاق الجائز على مستوى الطرفين، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، وإليه ذهب بعض الحنفية. واختاره صاحب الأسرار.

1040 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». [الحديث 1040 - أطرافه في: 1048، 1062، 1063، 5785].

وبه قال: (حدَّثنا عمرو بن عون) بفتح العين الواسطي (قال: حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الواسطي (عن يونس) بن عبيد (عن الحسن عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث، رضي الله عنه، والحسن هو: البصري، كما عند البخاري وشيخه ابن المديني. خلافًا للدارقطني، حيث انتقد على المؤلّف: بأن الحسن البصري إنما يروي عن الأحنف عن أبي بكرة، وتأوّله أنه: الحسن بن علي.

وأجيب: بأنه قد وقع التصريح بسماع الحسن البصري من أبي بكرة، في باب: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يخوف الله عباده بالكسوف" حيث قال: وتابعه موسى، عن مبارك عن الحسن، قال: أخبرني أبو بكرة. وفي باب: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحسن بن علي: "ابني هذا سيد" حيث قال فيه: فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ....

ثم قال المؤلّف فيه: قال لي علي بن عبد الله، أي المديني إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث، يعني لتصريحه فيه بالسماع. (قال):

(كنا عند رسول الله) ولأبي ذر: عند النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فانكسفت الشمس) بوزن انفعلت، وهو يردّ على القزاز حيث أنكره (فقام النبي) ولأبوي ذر، والوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يجرّ رداءه) من غير عجب ولا خيلاء، حاشاه الله من ذلك زاد في اللباس من وجه آخر، عن يونس: مستعجلاً.

وللنسائي: من العجلة (حتى دخل المسجد، فدخلنا) معه، (فصلّى بنا ركعتين) زاد النسائي كما تصلون.

واستدلّ به الحنفية على أنها كصلاة النافلة، وأيّده صاحب عمدة القاري، منهم، بحديث ابن مسعود عند ابن خزيمة في صحيحه، وابن سمرة عبد الرحمن عند مسلم، والنسائي، وسمرة بن جندب عند أصحاب السنن الأربعة، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند الطحاوي، وصححه الحاكم وغيرهم، وكلهم مصرحة بأنها ركعتان.

وحمله ابن حبان والبيهقي، من الشافعية، على أن المعنى: كما كانوا يصلون في الكسوف، لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان، في كل ركعة ركوعان، كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما.

ويؤيد ذلك: أن في رواية عبد الوارث عن يونس، الآتية في أواخر الكسوف، أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم ابن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله، وقال فيه: إن في كل ركعة ركوعين، فدلّ ذلك على اتحاد القصة. وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة.

وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع والأخذ بها أولى، ووقع في أكثر الطرق، عن عائشة أيضًا: أن في كل ركعة ركوعين. قاله في فتح الباري؛ وتعقبه العيني بأن حمل ابن حبان والبيهقي على أن المعنى: كما يصلون في الكسوف، بعيد وظاهر الكلام يرده، وبأن حديث أبي بكرة، عن الذي شاهده من صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس فيه خطاب أصلاً، ولئن سلمنا أنه خاطب بذلك من الخارج، فليس معناه كما حمله ابن حبان والبيهقي، لأن المعنى: كما كانت عادتكم فيما إذا صليتم ركعتين بركوعين وأربع سجدات. على ما تقرر من شأن الصلاة.

نعم، مقتضى كلام أصحابنا الشافعية كما في المجموع، أنه: لو صلاها كسنة الظهر صحت، وكان تاركًا فضل، أخذًا من حديث قبيصة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاها بالمدينة ركعتين؟ وحديث النعمان: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل يصلّي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت، رواهما أبو داود، وغيره، بإسنادين صحيحين.

وكأنهم لم ينظروا إلى احتمال أنه صلاها ركعتين بزيادة ركوع في كل ركعة، كما في حديث عائشة وجابر وابن عباس وغيرهم، حملاً للمطلق على المقيد، لأنه خلاف الظاهر، وفيه نظر، فإن الشافعي لما نقل ذلك قال: يحمل المطلق على المقيد، وفد نقله عنه البيهقي في المعرفة، وقال: الأحاديث على بيان الجواز، ثم قال: وذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015