أن يكون صاعهم ستة عشر رطلاً لكنه لعله لم يعلم مقدار الرطل عندهم إذ ذاك اهـ.
والمدّ كما مرّ رطل وثلث بالبغدادي وهو مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وحينئذ فيكون الصاع ستمائة درهم وخمسة وثمانين وخمسة أسباع درهم كما صححه النووي، وعند أبي حنيفة أن الصاع ثمانية أرطال لنا ما نقل الخلف عن السلف بالمدينة وهم أعرف بمثل ذلك كما قال مالك مستدلاًّ به على أبي يوسف في مناظرته له بحضرة الرشيد فرجع أبو يوسف في ذلك إليه.
والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الاعتصام، وأخرجه النسائي في الزكاة.
6713 - حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَارُودِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ وَهْوَ سَلْمٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِى زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُدِّ الأَوَّلِ وَفِى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ، وَلاَ نَرَى الْفَضْلَ إِلاَّ فِى مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ لِى مَالِكٌ: لَوْ جَاءَكُمْ أَمِيرٌ فَضَرَبَ مُدًّا أَصْغَرَ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَىِّ شَىْءٍ كُنْتُمْ تُعْطُونَ؟ قُلْتُ: كُنَّا نُعْطِى بِمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَفَلاَ تَرَى أَنَّ الأَمْرَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟.
وبه قال: (حدّثنا منذر بن الوليد الجارودي) بالجيم قال: (حدّثنا أبو قتيبة وهو سلم) بفتح السين المهملة وسكون اللام الشعيري بفتح المعجمة وكسر المهملة البصري أصله من خراسان قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة ابن أنس الأصبحي (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر) -رضي الله عنه- (يعطي زكاة رمضان) أي صدقة الفطر منه (بمدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو رطل وثلث بالبغدادي وهو مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم كما مرّ (المد الأول) بالجر صفة لازمة لمدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأراد نافع بذلك أنه كان لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام وهو أكبر من مدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثلثي مدّ إذ مدّ هشام رطلان والصاع منه ثمانية أرطال (وفي كفارة اليمين بمدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا مدّ واحد.
(وقال أبو قتيبة): سلم المذكور بالسند السابق (قال لنا مالك) الإمام: (مدنا) المدني وإن كان دون مد هشام في القدر فإنه (أعظم من مدكم) في البركة الحاصلة فيه بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولا نرى
الفضل إلا في مدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإن كان مد هشام أفضل بحسب الوزن قال أبو قتيبة سلم أيضًا (وقال لي مالك) الإمام: (لو جاءكم أمير فضرب مدًّا أصغر من مد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأي شيء كنتم تعطون)؟ الفطرة والكفارة قال أبو قتيبة: (قلت) له: (كنا نعطي) ذلك (بمد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) مالك: (أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأنه إذا تعارضت الأمداد الثلاثة الأوّل والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه وإن لم يقع وهو دون الأوّل كان الرجوع إلى الأوّل أولى لأنه الذي تحققت شرعيته لنقل أهل المدينة له قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا إلى قول مالك كما مرّ.
والحديث من أفراده وهو غريب ما رواه عن مالك إلا أبو قتيبة ولا عنه إلا المندر.
6714 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى مِكْيَالِهِمْ وَصَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(اللهم بارك لهم) أي أهل المدينة (في مكيالهم وصاعهم ومدهم) البركة بمعنى النماء والزيادة قال الإمام أبو زكريا النووي الظاهر أن المراد البركة في نفس المكيل بالمدينة بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها. قلت: وقد رأيت من ذلك في سنة خمس وتسعين وثمانمائة العجب العجاب فالله تعالى لوجهه الكريم يردني إليها ردًّا جميلاً ويجعل وفاتي بها على الكتاب والسنّة في عافية بلا محنة ويعتق رقبتي من النار بمنه وكرمه.
هذا (باب قول الله تعالى) في آية كفارة اليمين من سورة المائدة ({أو تحرير رقبة}) [المائدة: 89] قال الحنفية: مؤمنة أو كافرة لإطلاق النص إلا في كفارة القتل فإن الله قيد الرقبة فيها بالإيمان وشرط الشافعي -رحمه الله- الإيمان لجميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان حملاً للمطلق على المقيد كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وأطلق في موضع فقال: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] ثم العدالة شرط في جميعها حملاً للمطلق على المقيد كذلك هذا (وأي الرقاب أزكى) فيه إيماء إلى حديث أبي ذر السابق في أوائل