قال: (أخبرني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (سُئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) أي عن صدقة الحمر (فقال):
(لم ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه (عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة) أي المنفردة في معناها فذ الرجل عن أصحابه إذا شدّ عنهم ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}). فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أو شرًّا في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله له سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فتردّ حسناته تحسيرًا ويعذب بسيئاته. قال في فتوح الغيب: وهذا يساعده النظم والمعنى والأسلوب.
أما النظم فإن قوله: {فمن يعمل} تفصيل لما عقب به من قوله: {يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم} [الزلزلة: 6] فيجب التوافق والأعمال جمع مضاف يفيد الشمول والاستغراق ويصدر الناس مقيد بقوله (أشتاتًا) فيفيد أنهم على طرائق شتى للنزول في منازلهم من الجنة والنار بحسب أعمالهم المختلفة ومن ثمة كانت الجنة ذات درجات والنار ذات دركات.
وأما المعنى فإنها وردت لبيان الاستقصاء في عرض الأعمال والجزاء عليها لقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] الآية.
وأما الأسلوب فإنها من الجوامع الحاوية لفوائد الدين أصلًا وفرعًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْكَنُودُ: الْكَفُو. يُقَالُ {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}: رَفَعْنَ بِهِ غُبَارًا. {لِحُبِّ الْخَيْرِ}: مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْخَيْرِ. {لَشَدِيدٌ}: لَبَخِيلٌ، وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: شَدِيدٌ. {حُصِّلَ}: مُيِّزَ.
([100] سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ)
مكية أو مدنية وآيها إحدى عشرة والعاديات جمع عادية وهي الجارية بسرعة والمراد الخيل ولأبي ذر سورة والعاديات وله زيادة والقارعة.
(وقال مجاهد): مما وصله الفريابي (الكنود) هو (الكفور) من كند النعمة كنودًا.
(يقال {فأثرن به نقعًا}) قال أبو عبيدة أي (رفعن به غبارًا) وقوله {فأثرن} عطف الفعل على الاسم لأن الاسم في تأويل الفعل لوقوعه غير صلة لأل، والضمير في به للصبح أي فأثرن في وقت الصبح غبارًا أو للمكان وإن لم يجر له ذكر لأن الإثارة لا بد لها من مكان وروى البزار والحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلًا فلبث شهرًا لا يأتيه خبرها فنزلت {والعاديات ضبحًا} ضبحت بأرجلها {فالموريات قدحًا} قدحت الحجارة فأورت بحوافرها {فالمغيرات صبحًا} صبحت القوم بغارة {فأثرن به نقعًا} التراب {فوسطن به جمعًا} صبحت القوم جميعًا وفي إسناده ضعف.
({لحب الخير}) أي (من أجل حب الخير) فاللام تعليلية أي لأجل حب المال ({لشديد}) أي (لبخيل) وقيل لقوي مبالغ فيه (ويقال للبخيل شديد) وزاد في الكشاف متشدد قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد
وقوله: يعتام أي يختار وعقيلة كل شيء أكرمه والفاحش البخيل الذي جاوز الحد في البخل يقول أرى الموت يختار كرام الناس وكرائم الأموال التي يضن بها.
({حُصِّل}) أي (ميز) وقيل جمع في الصحف أي أظهر محصلًا مجموعًا كإظهار اللب من القشر.
{كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ. {كَالْعِهْنِ}: كَأَلْوَانِ الْعِهْنِ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ كَالصُّوفِ.
([101] سورة القارعة)
مكية وآيها عشر وسقطت لأبي ذر.
({كالفراش المبثوث}) أي (كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضًا كذلك الناس) يوم القيامة (يجول بعضهم في بعض) وإنما شبه الناس بذلك عند البعث لأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة بك كل واحدة تذهب إلى غير جهة أخرى فدلّ بهذا التشبيه على أن الناس في البعث يفزعون فيذهب كل واحد إلى غير جهة الآخر وقال في الدرّ وفي تشبيه