وحيث يقع ذلك فيه يتعقبه المصنف بالتضعيف بخلاف ما قبله. ومن أمثلته قوله في كتاب الصلاة: ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوّع الإمام في مكانه. ولم يصح وهو حديث أخرجه أبو داود من طريق ليث بن أبي سليم عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة، وليث بن أبي سليم ضعيف، وشيخ شيخه لا يعرف، وقد اختلف عليه فيه، فهذا حكم جميع ما في البخاري من التعاليق المرفوعة بصيغتي الجزم والتمريض.

وأما الموقوفات فإنه يجزم فيها بما صح عنده ولو لم يكن على شرطه، ولا يجزم بما كان في إسناده ضعف أو انقطاع إلا حيث يكون منجبرًا إما بمجيئه من وجه آخر وإما بشهرته عمّن قاله، وإنما يورد ما يورد من الموقوفات من فتاوى الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، وكتفاسيرهم لكثير من الآيات على طريق الاستئناس والتقوية لما يختاره من المذاهب في المسائل التي فيها الخلاف بين الأئمة، فحينئذ ينبغي أن يقال جميع ما يورده فيه إما أن يكون مما ترجم به أو مما ترجم له، فالمقصود في هذا التأليف بالذات هو الأحاديث الصحيحة وهي التي ترجم لها. والمذكور بالعرض والتبع الآثار الموقوفة والآثار المعلقة، نعم والآيات المكرّمة. فجميع ذلك مترجم به، إلا أنه إذا اعتبر بعضها مع بعض واعتبرت أيضًا بالنسبة إلى الحديث يكون بعضها مع بعض منها مفسر ومفسر، ويكون بعضها كالمترجم له باعتبار، ولكن المقصود بالذات هو الأصل. فقد ظهر أن موضوعه إنما هو للمسندات والمعلق ليس بمسند، ولذا لم يتعرّض الدارقطني فيما تتبعه على الصحيحين إلى الأحاديث والمعلقات، لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتاب، وإنما ذكرت استئناسًا واستشهادًا اهـ. من مقدّمة فتح الباري بحروفه وبالله تعالى التوفيق والمستعان.

وأما عدد أحاديث الجامع فقال ابن الصلاح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون بتأخير الموحدة عن السين فيهما بالأحاديث المكررة، وتبعه النووي وذكرها مفصلة، وساقها ناقلاً لها من كتاب جواب المتعنت لأبي الفضل بن طاهر، وتعقب ذلك الحافظ أبو الفضل بن حجر رحمه الله تعالى بابًا بابًا محرّرًا ذلك، وحاصله أنه قال جميع أحاديثه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات على ما حرّرته وأتقنته سبعة آلاف بالموحدة بعد السين وثلثمائة وسبعة وتسعون حديثًا، فقد زاد على ما ذكروه مائة حديث واثنين وعشرين حديثًا. والخالص من ذلك بلا تكرار ألفا حديث وستمائة وحديثان. وإذا ضم له المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر منه وهي مائة وتسعة وخمسون صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة وإحدى وستين حديثًا. وجملة ما فيه من التعاليق ألف وثلثمائة وأحد وأربعون حديثًا وأكثرها مكرر مخرج في الكتاب أصول متونه، وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب، ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثًا. وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلثمائة وأربعة وأربعون حديثًا. فجملة ما في الكتاب على هذا بالمكرر تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثًا خارجًا عن الموقوفات على الصحابة والمقطوعات على التابعين فمن بعدهم.

وأما عدد كتبه فقال في الكواكب إنها مائة وشيء وأبوابه ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسون بابًا مع اختلاف قليل في نسخ الأصول.

وعدد مشايخه الذين صرح عنهم فيه مائتان وتسعة وثمانون. وعدد من تفرّد بالرواية عنهم دون مسلم مائة وأربعة وثلاثون. وتفرّد أيضًا بمشايخ لم تقع الرواية عنهم لبقية أصحاب الكتب الخمسة إلا بالواسطة. ووقع له اثنان وعشرون حديثًا ثلاثيات الإسناد والله سبحانه الموفّق والمعين.

وأما فضيلة الجامع الصحيح فهو كما سبق أصح الكتب المؤلفة في هذا الشأن، والمتلقى بالقبول من العلماء في كل أوان، قد فاق أمثاله في جميع الفنون والأقسام، وخصّ بمزايا من بين دواوين الإسلام، شهد له بالبراعة والتقدّم الصناديد العظام والأفاضل الكرام، ففوائده أكثر من أن تحصى وأعز من أن تستقصى، وقد أنبأني غير واحد عن المسندة الكبيرة عائشة بنت محمد بن عبد الهادي أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015