عبد الله بن عمر بن علي، أن أبا الوقت أخبرهم عنه سماعًا قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهرويّ شيخ الإسلام، سمعت خالد بن عبد الله المروزي يقول: سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي يقول: سمعت أبا زيد المروزي يقول: "كنت نائمًا بين الركن والمقام فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام فقال لي يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعيّ وما تدرس كتابي، فقلت يا رسول الله وما كتابك، قال: جامع محمد بن إسماعيل".

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: وأما جامع البخاري الصحيح فأجلّ كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى. قال وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادًا للناس ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلوّ سماعه، فكيف اليوم، فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته اهـ. وهذا ما قاله الذهبيّ رحمه الله في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. وروى بالإسناد الثابت عن البخاري أنه قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبّ بها عنه فسألت بعض المعبرين فقال لي: أنت تذبّ عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح. وقال ما كتبت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين. وقال خرّجته من نحو ستمائة ألف حديث وصنّفته في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وقال: ما أدخلت فيه إلا صحيحًا وما تركت من الصحيح أكثر حتى لا يطول. وقال: صنّفت كتابي الجامع في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثًا حتى استخرت الله تعالى وصلّيت ركعتين وتيقنت صحته.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: والجمع بين هذا وبين ما روى أنه كان يصنفه في البلاد أنه ابتدأ تصنيفه وترتيب أبوابه في المسجد الحرام، ثم كان يخرج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها، ويدل عليه قوله أنه أقام فيه ست عشرة سنة، فإنه لم يجاور بمكة هذه المدة كلها.

وقد روى ابن عدي عن جماعة من المشايخ أن البخاري حوّل تراجم جامعه بين قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنبره كان يصلي لكل ترجمة ركعتين، ولا ينافي هذا أيضًا ما تقدم لأنه يحمل على أنه في الأوّل كتبه في المسودّة، وهنا حوّله من المسودّة إلى المبيضّة.

وقال الفربري: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعت في الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، وأرجو أن يبارك الله تعالى في هذه المصنفات.

وقال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة: قال لي مَن لقيت من العارفين عمّن لقيه من السادة المقرّ لهم بالفضل إن صحيح البخاري ما قرىء في شدة إلاّ فرجت، ولا ركب به في مركب فغرقت. قال وكان مُجاب الدعوة وقد دعا لقارئه رحمه الله تعالى.

وقال الحافظ عماد الدين بن كثير: وكتاب البخاري الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام. وما أحسن قول البرهان القيراطي رحمه الله:

حدّث وشنف بالحديث مسامعي ... فحديث من أهوى حليّ مسامعي

لله ما أحلى مكرره الذي ... يحلو ويعذب في مذاق السامع

بسماعه نلت الذي أملته ... وبغلت كل مطالبي ومطامعي

وطلعت في أفق السعادة صاعدًا ... في خير أوقات وأسعد طالع

ولقد هديت لغاية القصد التي ... صحّت أدلته بغير ممانع

وسمعت نصًّا للحديث معرفًا ... مما تضمنه كتاب الجامع

وهو الذي يتلى إذا خطب عرا ... فتراه للمحذور أعظم دافع

كم من يد بيضا حواها طرسه ... تومي إلى طرق العلا بأصابع

وإذا بدا بالليل أسود نقشه ... يجلو علينا كل بدر ساطع

ملك القلوب به حديث نافع ... مما رواه مالك عن نافع

في سادة ما إن سمعت بمثلهم ... من مسمع عالي السماع وسامع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015