الوكالة: قال عثمان بن الهيثم: حدّثنا عوف حدّثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وكّلني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزكاة رمضان" الحديث بطوله، وأورده في مواضع أُخَر منها في فضائل القرآن وفي ذكر إبليس، ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان، فالظاهر أنه لم يسمعه منه. وقد استعمل البخاري هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث، فيوردها عنهم بصيغة قال فلان، ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم، ويأتي لذلك أمثلة كثيرة في مواضعها. فقال في التاريخ: قال إبراهيم بن موسى حدّثنا هشام بن يوسف، فذكر حديثًا، ثم قال: حدّثوني بهذا عن إبراهيم. ولكن ليس ذلك مطّردًا في كل ما أورده بهذه الصيغة. لكن مع هذا الاحتمال لا يجمل حمل جميع ما أورده بهذه الصيغة على
أنه سمع ذلك من شيوخه، ولا يلزم من ذلك أن يكون مدلسًا عنهم. فقد صرّح الخطيب وغيره بأن لفظ قال: لا يحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه لا يطلق ذلك إلا فيما سمع، فاقتضى ذلك أن من لم يعرف ذلك من عادته كان الأمر فيه على الاحتمال.
وأما ما لا يلتحق بشرطه، فقد يكون صحيحًا على شرط غيره، كقوله في الطهارة. وقالت عائشة: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر الله على كل أحيانه، فإنه حديث صحيح على شرط مسلم أخرجه في صحيحه. وقد يكون حسنًا صالحًا للحجة كقوله فيها: وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه الله أحق أن يستحيا منه من الناس. فإنه حديث حسن مشهور عن بهز أخرجه أصحاب السنن. وقد يكون ضعيفًا لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده كقوله في كتاب الزكاة.
وقال طاوس: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبسِ في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فإن إسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوسًا لم يسمع من معاذ.
وأما ما يذكره بصيغة التمريض فلا يستفاد منه الصحة عن المضاف إليه لكن فيه ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح، فالأوّل لم يوجد فيه ما هو على شرطه إلا في مواضع يسيرة جدًّا ولا يذكرها إلاّ حيث يذكر ذلك الحديث المعلق بالمعنى، ولم يجزم ذلك كقوله في الطب: ويذكر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرقى بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر من طريق عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن نفرًا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّوا بحي فيه لديغ. فذكر الحديث في رقيتهم للرجل بفاتحة الكتاب. وفيه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أخبروه بذلك أن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله. فهذا لما أورده بالمعنى لم يجزم به إذ ليس في الموصول أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر الرقية بفاتحة الكتاب، إنما فيه أنه لم ينههم عن فعله، فاستفيد ذلك من تقريره.
وأما ما لم يورده في موضع آخر مما أورده بهذه الصيغة فمنه ما هو صحيح إلا أنه ليس على شرطه كقوله في الصلاة ويذكر عن عبد الله بن السائب قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع، وهو حديث صحيح على شرط مسلم في صحيحه. ومنه ما هو حسن كقوله في البيوع: ويذكر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا بعت فاكتل". وهذا الحديث قد رواه الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة وهو صدوق عن منقذ مولى عثمان وقد وثق عن عثمان وتابعه عليه سعيد بن المسيب. ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند إلا أن في إسناده ابن لهيعة، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع، فالحديث حسن لما عضده من ذلك. ومنه ما هو ضعيف فرد، إلا أن العمل على موافقته كقوله في الوصايا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قضى بالدين قبل الوصية، وقد رواه الترمذيّ موصولاً من حديث أبي إسحق السبيعي عن الحرث الأعور عن عليّ والحرث ضعيف، وقد استغربه الترمذي ثم حكى إجماع أهل المدينة على القول به. ومنه ما هو ضعيف فرد لا جابر له وهو في
البخاري قليل جدًا،