بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة حفص بن أبي وحشية إياس الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) أنه (قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يدني) أي يقرّب (ابن عباس) من نفسه وكان الأصل أن يقول: يدنيه لكنه أقام الظاهر مقام المضمر (فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله) في السن فلم تدنهم (فقال) عمر: (إنه من حيث تعلم) من جهة قرابته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من جهة زيادة معرفته (فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية {إذا جاء نصر الله والفتح}) [النصر: 1] بعد أن سألهم فمنهم من قال: فتح المدائن، ومنهم من سكت (فقال) ابن عباس مجيبًا هو (أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياه فقال) له عمر: (ما أعلم منها إلا ما تعلم). وعند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر لما نزلت أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقوله وقال يونس المعلق السابق بعد قوله تختصمون مؤخر هنا في رواية أبي ذر.
4431 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا» فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ» وَأَوْصَاهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ» وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) ولأبي ذر ابن عيينة بدل سفيان (عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (يوم الخميس وما يوم الخميس)؟ برفع يوم خبر مبتدأ محذوف ومراده التعجب من شدة الأمر وتفخيمه، ولمسلم
ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خذيه كأنها نظام اللؤلؤ (اشتدّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه فقال):
(ائتوني) زاد في العلم بكتاب أي بأدوات الكتاب كالدواة والقلم، أو ما يكتب فيه كالكاغد (أكتب لكم) بالجزم جواب الأمر والرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب لكم (كتابًا لن تضلوا) منصوب بحذف النون، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون (بعده أبدًا فتنازعوا) فقال بعضهم: نكتب لما فيه من امتثال الأمر وزيادة الإيضاح. وقال عمر -رضي الله عنه-: حسبنا كتاب الله فالأمر ليس للوجوب بل للإرشاد إلى الأصلح (ولا ينبغي عند نبي تنازع) قيل: هذا مدرج من قول ابن عباس ويردّه قوله عليه الصلاة والسلام في كتاب العلم في باب كتابة العلم (ولا ينبغي عندي التنازع فقالوا: ما شأنه أهجر)؟ بإثبات همزة الاستفهام وفتح الهاء والجيم والراء، ولبعضهم أهجرًا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين مفعولاً بضم مضمر أي قال: هجرًا بضم الهاء وسكون الجيم وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم، وهذا مستحيل وقوعه من المعصوم صحة ومرضًا، وإنما قال ذلك من قاله منكرًا على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة فكأنه قال: تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا يقول إلا الحق، أو المراد أهجر بلفظ الماضي من الهجر بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي أهجر الحياة وعبّر بالماضي مبالغة لما رأى من علامات الموت (استفهموه) بكسر الهاء بصيغة الأمر أي عن هذا الأمر الذي أراده هل هو الأولى أم لا (فذهبوا يردّون عليه) أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها، وقد كانوا يراجعونه في بعض الأمور قبل تحتم الإيجاب كما راجعوه يوم الحديببة في الحلاق وكتابة الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد منهم، ولأبي ذر: يردّون عنه القول المذكور على من قاله.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوني) اتركوني (فالذي أنا فيه) من المشاهدة والتأهب للقاء الله عز وجل (خير مما تدعوني) ولأبي ذر مما تدعونني (إليه) من شأن كتابة الكتاب (وأوصاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الحالة (بثلاث) من الخصال (قال) لهم: (أخرجوا المشركين) بفتح الهمزة وكسر الراء (من جزيرة العرب) هي من عدن إلى العراق طولاً، ومن جدّة إلى الشام عرضًا (وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) أي أعطوهم، وكانت جائزة الواحد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فضة وهي أربعون درهمًا فأمر بإكرامهم