تطييبًا لقلوبهم وترغيبًا لغيرهم من المؤلّفة (وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها) قيل: الساكت هو ابن عباس، والناسي سعيد بن جبير، لكن في مستخرج أبي نعيم قال سفيان قال سليمان أي ابن أبي مسلم: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها فهو الراجح، وقد قيل: إن الثالثة هي الوصية بالقرآن أو هي تجهيز جيش أسامة لقول أبي بكر لما اختلفوا عليه في تنفيذ جيش أسامة: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد إليّ بذلك عند موته أو قوله "لا تتخذوا قبري وثنًا" فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، أو هي ما وقع في حديث أنس من قوله "الصلاة وما ملكت أيمانكم".

وهذا الحديث قد سبق في العلم والجهاد.

4432 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلاَفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُومُوا». قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لاِخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما حضر) بضم المهملة وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دنا موته (وفي البيت رجال) من الصحابة (فقال النبي) وفي نسخة: فقال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(هلموا أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده) بحذف النون على أن لا ناهية ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون بإثبات النون على أنها نافية (فقال بعضهم): هو عمر بن الخطاب (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا) أي يكفينا (كتاب الله). قال أبو سليمان: خشي عمر -رضي الله عنه- أن يجد المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه إلى حمله إلى تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الإتقان، فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا جوّز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا.

(فاختلف أهل البيت) الذي كانوا فيه من الصحابة لا أهل بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واختصموا فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون (بعده، ومنهم من يقول: غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا) عني واستنبط منه أن الكتابة ليست بواجبة وإلاّ لم يتركها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأجل اختلافهم لقوله تعالى: {بلّغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67] كما لم يترك التبليغ لمخالفة من خالفه ومعاداة، من عاداه، وكما أمر في تلك الحالة بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك ولا يعارض هذا قوله.

(قال عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله: (فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية) بالراء ثم الزاي فالتحتية المشددة أي المصيبة كل المصيبة (ما حال بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم) لأن عمر كان أفقه من ابن عباس قطعًا، وذلك أنه إن كان من الكتاب بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها فقد علم عمر حصول ذلك من قوله تعالى:

{اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وعلم أنه لا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب والسنة بيانها نصًّا أو دلالة، وفي تكلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه مع شدة وجعه كتابة ذلك مشقة، فرأى الاقتصار على ما سبق بيانه تخفيفًا عليه، ولئلا ينسدّ باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط وإلحاق الأصول بالفروع، فرأى عمر -رضي الله عنه- أن الصواب ترك الكتابة تخفيفًا عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفضيلة للمجتهدين، وفي تركه الإنكار عليه دليل على استصواب رأيه.

4433 و 4434 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَبَكَتْ ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ.

وبه قال: (حدّثنا يسرة) بفتح التحتية والمهملة والراء (ابن صفوان بن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم (اللخمي) بالخاء المعجمة الساكنة قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قاضي المدينة (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة) بنته (عليها السلام في شكواه) في مرضه (الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني التي قبض فيها بالتأنيث على لفظ شكواه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015