ومنبره، وأنه كان يصلي لكل ترجمة ركعتين.

وأما تقطيعه للحديث واختصاره وإعادته له في الأبواب وتكراره فقال الحافظ أبو الفضل بن طاهر في جواب المتعنت: اعلم أن البخاري رحمه الله تعالى كان يذكر الحديث في كتابه في مواضع ويستدل به في كل باب بإسناد آخر ويستخرج منه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه، وقلما يورد حديثًا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وإنما يورده من طريق أخرى لمعانٍ يذكرها، فمنها أنه يخرج الحديث عن صحابيّ ثم يورده عن صحابيّ آخر، والمقصود منه أن يخرج الحديث من حدّ الغرابة، وكذا يفعل في أهل الطبقة الثانية والثالثة وهلمّ جرًّا إلى مشايخه، فيعتقد من يرى ذلك من غير أهل الصنعة أنه تكرار وليس كذلك، لاشتماله على فائدة زائدة، ومنها أنه صحح أحاديث على هذه القاعدة يشتمل كل حديث منها على معانٍ متغايرة، فيورده في كل باب من طريق غير الطريق الأوّل، ومنها أحاديث يرويها بعض الرواة تامة وبعضهم مختصرة فيرويها كما جاءت ليُزيل الشبهة عن ناقلها، ومنها أن الرواة ربما اختلفت عباراتهم فحدث راوٍ بحديث فيه كلمة تحتمل معنى آخر، فيورده بطرقه إذا صحّت على شرطه، ويفرد لكل لفظة بابًا مفردًا، ومنها أحاديث تعارض فيها الوصل والإرسال ورجح عنده الوصل فاعتمده، وأورد الإرسال منبهًا على أنه لا تأثير له عنده في الموصول، ومنها أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع والحكم فيها كذلك، ومنها أحاديث زاد فيها بعض الرواة رجلاً فى الإسناد ونقصه بعضهم، فيوردها على الوجهين، حيث يصح عنده أن الراوي سمعه من شيخ حدّثه به عن آخر، ثم لقي آخر فحدّثه به، فكان يرويه على الوجهين. ومنها أنه ربما أورد حديثًا عنعنه راويه فيورده من طريق أخرى مصرّحًا فيها بالسماع على ما عرف من طريقه في اشتراط ثبوت اللقاء من المعنعن.

وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة واقتصاره على بعضه أخرى، فلأنه إن كان المتن قصيرًا ومرتبطًا بعضه ببعض وقد اشتمل على حكمين فصاعدًا، فإنه يعيده بحسب ذلك مراعيًا عدم إخلائه من فائدة حديثية وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك، فيستفاد بذلك كثرة الطرق، لذلك الحديث، وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحد، فيتصرَّف حينئذ فيه فيورده في موضع موصولاً وفي آخر معلقًا وتارة تامًّا وأخرى مقتصرًا على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب، فإن كان المتن مشتملاً على جمل متعددة لا تعلّق لإحداها بالأخرى، فإنه يخرّج كل جملة منها في باب مستقل فرارًا من التطويل، وربما نشط فساقه بتمامه. وقد ذكر أنه

وقع في بعض نسخ البخاري في أثناء الحج بعد باب قصر الخطبة بعرفة باب التعجيل إلى الموقف، قال أبو عبد الله: يزاد في هذا الباب حديث مالك عن ابن شهاب، ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادًا، وهذا كما قال في مقدمة الفتح يقتضي أنه لا يتعمد أن يخرّج في كتابه حديثًا معادًا بجميع إسناده ومتنه، وإن كان قد وقع له من ذلك شيء فعن غير قصد وهو قليل جدًّا اهـ.

قلت وقد رأيت ورقة بخط الحافظ ابن حجر تعليقًا أحضرها إليّ صاحبنا الشيخ العلامة المحدّث البدر المشهدي نصها: نبذة من الأحاديث التي ذكرها البخاري في موضعين مسندًا ومتنًا، حديث عبد الله بن مغفل "رمى إنسان بجراب فيه شحم" في آخر الخمس وفي الصيد والذبائح، حديث "في نحر البدن في الحج" عن سهل بن بكار عن وهب ذكره في موضعين متقاربين، حديث أنس "أصيب حارثة فقالت أمه في غزوة بدر وفي الرقاق" حديث "أن رجلين خرجا ومعهما مثل المصباحين" في باب المساجد وفي باب انشقاق القمر، حديث أنس "أن عمر استسقى بالعباس" في الاستسقاء ومناقب العباس: حديث أبي بكرة "إذا التقى المسلمان" في باب وإن طائفتان في كتاب الإيمان وفي كتاب الديات، حديث أبي جحيفة "سألت عليًّا هل عندكم شيء" في باب المقاتلة وفي باب لا يقتل مسلم بكافر. حديث حذيفة حدثنا حديثين أحدهما في باب رفع الأمانة من الرقاق وفي باب إذا بقي حثالة من الفتن. حديث أبي هريرة "في قول رجل من أهل البادية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015