في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع، فأضافها إليه: ويبيّن ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث. قال الحافظ ابن حجر: وهذه قاعدة
حسنة يفزع إليها بحيث يتعسر الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة اهـ. وهذا الذي قاله الباجي فيه نظر من حيث أن الكتاب قرىء على مؤلفه، ولا ريب أنه لم يقرأ عليه إلا مرتبًا مبوّبًا، فالعبرة بالرواية لا بالمسودّة التي ذكر صفتها، ثم إن التراجم الواقعة فيه تكون ظاهرة وخفية، فالظاهرة أن تكون الترجمة دالّة بالمطابقة لما يورده فى مضمنها، وإنما فائدتها الإعلام بما ورد في ذلك الباب من غير اعتبار لمقدار تلك الفائدة، كأنه يقول هذا الباب الذي فيه كيت وكيت. وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو ببعضه أو بمعناه، وقد يأتي من ذلك ما يكون في لفظ الترجمة احتمال لأكثر من معنى واحد فيعين أحد الاحتمالين بما يذكره تحتها من الحديث، وقد يوجد فيه عكس ذلك بأن يكون الاحتمال في الحديث والتعيين في الترجمة، والترجمة هنا بيان لتأويل ذلك الحديث نائبة مناب قول الفقيه، مثلاً المراد بهذا الحديث العام الخصوص أو بهذا الحديث الخاص العموم إشعارًا بالقياس لوجود العلة الجامعة، أو أن ذلك الخاص المراد به ما هو أعم مما يدل عليه ظاهره بطريق الأعلى أو الأدنى، ويأتي في المطلق والمقيد نظير ما ذكر في العام والخاص، وكذا في شرح المشكل وتفسير الغامض وتأويل الظاهر وتفصيل المجمل، وهذا الموضع هو معظم ما يشكل من تراجم البخاري، ولذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء: فقه البخاري في تراجمه، وأكثر ما يفعل ذلك إذا لم يجد حديثًا على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي يترجم به ويستنبط الفقه منه، وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان في إظهار مضمره واستخراج خبيئه، وكثيرًا ما يفعل ذلك أي هذا الأخير حيث يذكر الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدمًا أو متأخرًا، فكأنه يحيل عليه ويومىء بالرمز والإشارة إليه، وكثيرًا ما يترجم بلفظ الاستفهام كقوله: باب هل يكون كذا، أو من قال كذا ونحو ذلك. وذلك حيث لا يتجه له الجزم بأحد الاحتمالين، وغرضه بيان هل ثبت ذلك الحكم أو لم يثبت، فيترجم على الحكم ومراده ما يفسر بعد من إثباته أو نفيه، أو أنه محتمل لهما، وربما كان أحد المحتملين أظهر، وغرضه أن يبقي للناظر مجالاً وينبّه على أن هناك مجالاً أو تعارضًا يوجب التوقف حيث يعتقد أن فيه إجمالاً أو يكون المدرك مختلفًا في الاستدلال به، وكثيرًا ما يترجم بأمر ظاهر قليل الجدوى، لكنه إذا حقّقه المتأمل أجدى كقوله: باب قول الرجل ما صلينا. فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك. وكثيرًا ما يترجم بأمر يختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادىء الرأي كقوله: باب استياك الإمام بحضرة رعيته. فإنه لما كان الاستياك قد يظن أنه من أفعال المهنة، فلعل أن يظن أن إخفاءه أولى مراعاة للمروءة، فلما وقع في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استاك بحضرة الناس دل على أنه من باب التطيب لا من الباب الآخر، نبّه على ذلك ابن دقيق العيد، قال الحافظ ابن حجر: ولم أرَ هذا في البخاري، فكأنه ذكره على سبيل المثال. وكثيرًا ما يترجم بلفظ يومىء إلى معنى حديث لم يصح على شرطه أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحًا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدي معناه بأمر ظاهر وتارة بأمر خفيّ، من ذلك قوله: باب الأمراء من قريش. وهذا لفظ حديث يروى عن عليّ وليس على شرط البخاري، وأورد فيه حديث لا يزال والٍ من قريش. وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه وأورد معها أثرًا أو آية، فكأنه يقول لم يصح
في الباب شيء على شرطي، وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة، اعتد مَن لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض. وبالجملة فتراجمه حيّرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار ولقد أجاد القائل:
أعيا فحول العلم حلّ رموز ما ... أبداه في الأبواب من أسرار
وإنما بلغت هذه المرتبة وفازت بهذه المنقبة لما روي أنه بيضها بين قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-