الإسلام والمحل الذي لا يجوز الأكل فيه من مال الغنيمة المشتركة، فإن الأكل منها قبل القسمة إنما يباح في دار الحرب، والمأمور به من الإراقة إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم، وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع وردّ إلى المغنم ولا يظن بأنه أتلف مال الغانمين لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن إضاعة المال. نعم في سنن أبي داود بسند جيد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكفأ القدور بقوسه ثم جعل يزيل اللحم بالتراب ثم قال: "إن النهبة ليست بأحلّ من الميتة أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة" شك هناد أحد رواته وقد يجاب بأنه لا يلزم من تزبيله إتلافه لإمكان تداركه بالغسل لكنه بعيد، ويحتمل أن فعله ذلك لأنه أبلغ في الزجر ولو ردّها إلى المغنم لم يكن فيه كبير زجر إذا ما ينوب الواحد منهم في ذلك نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وغلبة شهواتهم أبلغ في الزجر.

(ثم قسم) عليه الصلاة والسلام (فعدل) بتخفيف الدال (عشرة) بإثبات تاء التأنيث في أصل أبي ذر والأصيلي وابن عساكر والأصل المسموع على أبي الوقت بقراءة الحافظ ابن السمعاني لكن قال ابن مالك لا يجوز إثباتها فالصواب فعدل عشرًا (من الغنم ببعير) أي سواها به وهو محمول على أنه كان بحسب قيمتها يومئذ ولا يخالف هذا قاعدة الأضحية من إقامة بعير مقام سبع شياه لأنه الغالب في قيمة الشياه والإبل المعتدلة.

وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (فند) بفتح النون وتشديد الدال المهملة أي هرب وشرد (منها بعير فطلبوه فأعياهم) أي أعجزهم (وكان في القوم خيل يسيرة) أي قليلة (فأهوى) أي مال وقصد (رجل منهم) إليه (بسهم) أي فرماه به (فحبسه الله) أي بذلك السهم (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن لهذه البهائم) أي الإبل (أوابد) جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة المخففة أي نوافر وشوارد (كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) أي ارموه بالسهم كالصيد. قال عباية بن رفاعة (فقال جدي) رافع بن خديج (إنّا نرجو أو) قال (نخاف العدوّ غدًا) والشك من الراوي والرجاء هنا بمعنى الخوف (وليست مدى) ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي: وليست معنا مدى، وللحموي والمستملي: وليست لنا مدى وهو بضم الميم وبالدال المهملة مقصور منوّن جمع مدية مثلث الميم سكين أي استعملنا السيوف في الذبائح تكل وتعجز عند لقاء العدوّ عن المقاتلة بها (أفنذبح بالقصب) ولمسلم فنذكي بالليط بكسر اللام وسكون المثناة التحتية وبالطاء المهملة قطع القصب أو قشوره (قال)

عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم) أي صبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وكلمة ما موصولة مبتدأ والخبر فكلوه أو شرطية والفاء جواب الشرط. وقال البرماوي كالزركشي وروي بالزاي حكاه القاضي عياض وهو غريب.

قال في المصابيح وهذا تحريف في النقل، فإن القاضي قال في المشارق ووقع للأصيلي في كتاب الصيد أنهز بالزاي وليس بشيء والصواب ما لغيره أنهر أي بالراء كما في سائر المواضع، فالقاضي إنما حكى هذا عن الأصيلي في كتاب الصيد لا في المكان الذي نحن فيه وهو كتاب الشركة وكلام الزركشي ظاهر في روايته في هذا المحل الخاص وهو تحريف بلا شك انتهى.

(وذكر اسم الله عليه فكلوه) هذا تمسك به من اشترط التسمية عند الذبح وهم المالكية والحنفية فإنه علق الإذن في الأكل بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما. وأجاب أصحابنا الشافعية بأن هذا معارض بحديث عائشة -رضي الله عنها- أن قومًا قالوا إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال "سموا أنتم وكلوا" فهو محمول على الاستحباب.

وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيد والذبائح.

قال العلاّمة البدر الدماميني، فإن قلت: الضمير من قوله فكلوه لا يعود على ما لأنها عبارة عن آلة التذكية وهي لا تؤكل فعلى ماذا يعود؟ وأجاب: بأنه يعود على المذكّي المفهوم من الكلام لأن إنهار الآلة للدم يدل على شيء أنهر دمه ضرورة وهو المذكى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015