قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وزيد بعد رب والكاف فكف وقد يليهما وجر لم يكف] قوله: (زيد) الضمير يعود على (ما) أي: زيد (ما) بعد رُبَّ والكاف فكفهما عن العمل، (وقد يليهما وجر لم يكف).
والمعنى: أن (ما) تزاد بعد (رُبَّ) فتكفها عن العمل، وإذا كفتها عن العمل سلبت اختصاصها بالاسم، فتدخل على الفعل، قال الله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2].
ومثالها إذا داخلت على الاسم أن تقول: رُبما رجلٌ لقيته، بينما لو حذفت (ما) لقلت: رُبَّ رجلٍ لقيته، لكن لما جاءت (ما) بطل عملها، فوجب أن يقال: ربما رجلٌ لقيته، وإعرابها: رُبَّ: حرف جر ملغى.
وما: زائدة.
ورجل: مبتدأ.
ولقيته: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر.
قوله: (والكاف): أي: ما الزائدة تلي الكاف وتكفها عن العمل، ودخولها على (ما) كثير في كلام العامة، يقولون: فلان كما البحر، لكن في اللغة العربية إنما تدخل عليها فتكفها عن العمل، ويكون ما بعدها مبتدأ، ويحتاج إلى خبر، تقول مثلاً: كما الناس مؤمن وكافر، فالكاف: هنا حرف جر ملغى، وما: زائدة تكف الكاف عن العمل، والناس: مبتدأ، ومؤمن: خبر المبتدأ، وكافر: معطوف على مؤمن.
قوله: (وقد يليهما) يعني: أن رُبَّ والكاف قد تليهما (ما) الزائدة (وجر لم يكف) أي: مع بقاء عملهما، فتقول مثلاً: زيد كما البحرِ، أي: كالبحر.
فالكاف: حرف جر، وما: زائدة، والبحر: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره.
وكذلك أيضاً: رُبَّ، تقول: ربما رجلٍ لقيته، بجر (رجل).
فالحاصل أن (ما) تزاد بعد خمسة من حروف الجر، ثلاثة منها لا تبطل عملها وهي: من وعن والباء، واثنان الأصل أن تبطل عملهما وقد لا تبطله، وهما الكاف ورُبَّ.
إذا قال لنا قائل: هل نحن بالخيار في هذه الأمور؟ نقول: أما ما ورد عن العرب فبالإعمال أو الإهمال، فليس لنا فيه خيار؛ لأنه سمع هكذا، وأما ما ننشئه نحن من الكلام فلنا فيه الخيار، وعلى هذا فالواحد منكم إذا قرأ في كتاب، وقال: ربما رجلٌ لقيته، وآخر قال: ربما رجلٍ لقيته، فكلاهما صحيح.