قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحذفت رُبَّ فجرت بعد بل والفا وبعد الواو شاع ذا العمل] قوله: (وحذفت رُبَّ)، أي: حذفت من الكلام، فتجر وهي محذوفة لكن بعد ثلاثة حروف: بل والفاء والواو، لكنها بعد الواو أكثر، ولهذا قال: (وبعد الواو شاع ذا العمل) بمعنى: كثر.
مثالها بعد بل أن تقول: ما رأيت رجلاً فاسقاً بل رجلٍ صالحٍ لقيته، أي: بل رُبَّ رجلٍ صالحٍ لقيته.
ومثالها بعد الفاء قول الشاعر: فمثلكِ حبلى قد طرقت ومرضعٍ فألهيتها عن ذي تمائم محول الشاهد قوله: (فمِثلك)، أي: فرب مِثلك حبلى، بجر (مثل)، فهنا عملت رُبَّ وهي محذوفة.
ومثالها بعد الواو قول الشاعر: وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي أي: ورُبَّ ليلٍ كموج البحر وتقدم أن (رُبَّ) تدخل عليها (ما) فتكف عملها، وربما لا تكف، وذكر هنا أنها تعمل مذكورة وتعمل محذوفة بعد ثلاثة حروف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد يجر بسوى رب لدى حذف وبعضه يرى مطردا] المعنى: قد يُجَرُّ الاسم بحرف محذوف سوى رُبَّ؛ وقد سبق لنا في تعدي الفعل ولزومه قوله: وعدِّ لازماً بحرف جر وإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً وفي أن وأن يطرد مع أمن لبس كعجبت أن يدوا المهم أن الأصل إذا حذف حرف الجر أن ينصب المجرور، وقد يحذف ويبقى الجر، وذلك في (رُبَّ) بعد الفاء والواو وبل كما تقدم، وقد يجر بسوى (رُبَّ) مع الحذف، لكنه قليل، فإن قوله: (قد يجر) للتقليل، يعني أنه أحياناً يجر، والأصل عند حذف حرف الجر أنه ينصب.
مثاله يقال: أن رؤبة بن العجاج قيل له: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ والحمد لله.
أي: أصبحت بخيرٍ والحمد لله، فجر الاسم بالباء المحذوفة.
وليس لنا نحن أن نفعل ذلك؛ لأنه قليل في اللغة العربية، والقليل يقتصر به على السماع.
قال: (وبعضه يرى مطرداً) أي: بعض هذا الذي يحذف فيه الحرف ويبقى عمل الجر مطرد، أي قياسي، ومثل ذلك: تمييز كم الخبرية، يقولون إنه مجرور بحرف جر محذوف هو (من)، مثل أن أقول: كم درهمٍ أفنيته في الكرم! أي: دراهم كثيرة أفنيتها في الكرم! ويسميها بعضهم تكثيرية، وتمييزها مجرور بمن محذوفة، والدليل على أنه مجرور بمن المحذوفة أن (مِنْ) تدخل كثيراً على مجرورها: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعراف:4]، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة:249]، وأمثال ذلك، قالوا: فهذا دليل على أن ما بعدها مجرور بمن المحذوفة، وهو مطرد.
وقال بعض النحويين: إن المجرور بعدها مجرور بالإضافة، كم: مضاف، والذي بعدها مضاف إليه مجرور بالإضافة، وحينئذ لا يكون فيه شاهد لما قاله ابن مالك، لكن ابن مالك رحمه الله يرى رأي سيبويه في هذه المسألة وأن تمييز (كم الخبرية) مجرور بمن محذوفة.
وقال: إن الدليل على ذلك أنها تأتي مذكورة في مواضع كثيرة.