نافعٌ وغيرُه -إلا عاصمًا وابن عامرٍ- بكسر إِنّ بعد الفاء، وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها. ووجه الفتح أن يكون ما بعد الفاء في تقدير مصدر مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف منوىّ التقديم، أى: فله أنه غفورٌ رحيمٌ، أى: فله غفرانُ الله ورحمتُه. ويجوز أن يكون المحذوف المبتدأ، تقديره: فأمرُه أنه غفور رحيم. وهذا النحو يجرى سائر ما ذكر من الشواهد.
وأما الكسر فلا يحتاج إلى تكلّف شئٍ من ذلك؛ لأنّ ما بعد الفاء حكمه الابتداء؛ قال الفارسي: ومن ثَمّ حُمِل قولهُ: {وَمَنْ عَادَ فينتقمُ الله مِنْه}، على أنّ بعد الفاء مبتدأ محذوفًا، أى: فهو ينتقم الله منه.
فإن قيل: هذا الإطلاقُ من الناظم غيرُ مستقيم؛ وذلك لأن الشاهد عليه إنما جاء مع تقدّم أنّ المفتوحة، كما مر في الأمثلة، وأَنّ بعد الفاء (في الأمثلة) يحتمل وجهين: أحدهما ما تقدّم من كونها خبرًا أو مبتدأ. والثاني: أن يكون تكررًا لانّ المتقدمة، إما توكيدًا مجرّدًا -وهو مذهب الفراء والمبرّد وغيرهما- وإما بدلًا على جهة التأكيد من الأولى. والمعنى في القولين واحدٌ إلا أن العبارة مختلف، والأظهر من سيبويه هذا الثاني، وهو أن تكون الثانيةُ بدلًا من الأولى، كقوله تعالى: {أَيعدُكم أَنّكم إذا متُّم وكنتُم ترابًا وعظامًا أنّكم مخرجون}، لأن المعنى: أيعدْكم أنكم مخرجُونَ إذا متم، لكن قدّمت أنّ الأولى وما بعدها من الظرف ليعلم بعد أىّ شئٍ الإخراج. هذا معنى تعليل سيبويه.