أصلها الحاضر, تقول عندي مال, وإن كان بخُراسان وأنت ببغداد, وقد كان حقٌّ "عند" البناء لولا ما لحقها من التصرف, بخلاف "لّدُن" فإنها لا يُتجاوز بها حضرةَ الشيء, فلذلك بُنيت وعلّل بهذا بعضهم بناء "قط", وقد بمعنى "حَسْب"؛ لأنهما لم يتمكنا في الكلام تمكُّن الأسماء, ولم يُستعملا استعمالها فأشبها ما وُضع كذلك من الكلم وهو الحرف.
ومنها شَبَه ما أشبه الحرف كفَعَال المعدولة في غير الأمر, فإنها أشبهت فَعال في الأمر في الوزن والتأنيث والعدْل فبُنيت بناءها. ومنها الوقوع موقع ما أشبَهَ الحرف كالمُنادى المفرد, لوقوعه موقع المضمر على قول من يُعلِّل بناءه بذلك, ووجه كون هذين النوعين من أنواع شبه الحرف أن يقال: أما الأول: فلأن "فَعَال" حين أشبهت ما أشبه الحرف صارت مشبهة للحرف بواسطةٍ, ومُشبِهُ مِشْبِهِ الشيء شبيه للشيء.
وأما الثاني: فلأن الوقوع موقع الشيء يُوجب للواقع شَبَهًا بالموقوع موقعه, فإذا كان الموقوع موقعه الحرف فالواقع يُشبه الحرف؛ لأن مشبه المشبه مشبهه, وردَّ هذا ابن عصفور بأن قول القائل بُنيت لشبه مَشبه الحرف إقرار بأن البناء يكون لغير مشبه الحرف, وهو مشبه ما أشبه الحرف.
والجواب: أنه راجع في الحقيقة إلى نوع من أنواع الشبه, وأيضًا فالشبه يكون قريبا ما لذي تقدم, ويكون بعيدًا وهذا كم ذلك البعيد, ويُعْدُهُ لا يمنع وجوب الحكم له, فهذه أنواع من شَبَهِ الحرف وَقَعَ التنبيه من الناظم عليها بالكاف, على فرض أنه أراد الوجه الأول, وإن أراد الوجه الثاني فيُمكن ردُّ هذه الأنواع إلى ما ذكره. أما الأول فراجع