ما له صدر الكلام -وذلك ما- كان من الواجب أن يحكم عليه بالصدرية.
فإن قيل: الدليلُ على جواز التقديم أوجه:
أحدهما: أن الدليل قد قام على أن ليس فعلٌ، وإذا ثبت أنها فعل -والأصل في العمل للأفعال- فالعمل لها بحق الأصل، وإذا كان كذلك فينبغي أن تتصرّف في معمولاتها كسائل الأفعال، وإن فاتها تصرف الأفعال فقد وُجِد فيها وجهان من التصرف، أحدهما: التصرف المعنوى، وهو صحة تقييد خبرها بالماضى وغيره. وقد تقدّم ذكره. والثاني: أنها نعمل في المعرفة والنكرة، [والظاهر] والمضمر، وهذا تصرف صحيح.
ووجه آخر من التصرف، وهو خاصّ بمسألتنا: تقدمُ خبرها على اسمها، فوجب بهذا حين شاركت الأفعال المتصرفة أن تتصرف في معمولاتها، وقد خرجت نِعْم وبِئْس وعسى وفعل التعجب عن هذا الحكم، لأجل ما فُقد فيها من هذا التصرّفِ الذى وُجِد في ليس. (فلا يعملان في نكرة ولا عَلَم ولا في ضمير، وأما عسى) فإنها إنما تعملُ النصب في موضع الفعل، فلا يكون خبرها اسمًا مصرحًا به إلا شاذًا. وأما فعل التعجب فيلزم طريقة واحدة، ولا يكون فاعله إلا ضميرًا مع ما، وفي «أَفْعِلْ» كذلك عند قومٍ، أو مجرورًا بالباء عند آخرين، وحبّذَا مثلُ نِعْم وبِئْس، بل أقل تصرفًا؛ إذ يقتصر بفاعلها على ذا فلا يكون غيره.
فالحاصل من هذا أن ليس ظهر تصرُّفها في نفسها، فَلْيَجُز تصرّفها في معمولها.