وذلك أن ابن مالك بَنَى في هذا العلم على الاجتهاد، ولم يُخْلِدْ فيه إلى حَضِيضِ التقليد، فتراه موافقًا للكوفيين حربًا على البصريين تارةً، وتارةً موافقًا للبصريين مخالفًا لمن عداهم، فِعْل المجتهدين المبرزينِ. وهو الواجب على من بَلَغَ رتبةَ الاجتهاد، لامتناع التقليد عليه عند جمهور الأصوليين. وابنُ مالك مشهودٌ له بالإمامة والتبريز في هذا العلم، فَبحَقٍ ما اتبَعَ اجتهاده، ولم يتّبع قول غيره بغير دليل، إلا أنه في العربية ينحو نحو الظاهرية، ولا يحكّم القياس تَحكيم غيره، فهذه طريقته.

والأظهر أن فاعل «اصطُفِى» هو الناظم، فإنه قد أشار لذلك في التسهيل حيث قال: «ولا يتقدّم خبر دام اتفاقا، ولا خبر ليس على الأصحّ». فنبّه على أن المنع هو الأصحّ عنده.

وإلى المنع أيضا ذهب ابن الأنباريّ في الإنصاف؛ ودليله: أَنّ «ليس» فعلٌ غير متصرّف فلا يجرى مجرى الفعل المتصرف، كما أُجريت كان مجراه، لأن كان فعل متصرف فتصرف في معموله، وليس غير متصرّف فلا يتصرف في معموله، كعسى ونِعْم وبِئْس، وفعل التعجب -وأيضًا فإن ليس أشبهُ شئٍ بـ «ما» في المعنى والعمل، ولذلك زعم البغداديّون أنها حرف، ووافق على ذلك طائفة من أهل النظر من البصريين؛ وإذا كان كذلك، وكانت ما لا يصح تقدُّم خبرها عليها، فمن الواجب أن تكون ليس أختُها كذلك. وأيضا لما أشبهت ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015