بل دعوى عدم الحذف مستندةً إلى الظاهر، وهو دليل في نفسه، والحمل على الظاهر مطلوبٌ وإن أمكن أن يكون المراد غيره.
فالحاصل أنّ الحذفَ لا يُدّعى إلا مع الدليل، والناظم ابتدأ بهذه القاعدة الكُلِّية الجارية في أبواب العربية؛ إذ لم يُقَيِّدْها / بهذا الباب، بل قال: «وَحَذْفُ ما يُعْلَمُ جائزٌ»، فأتى بـ «ما» العامة ولم يفيدها، فإن أراد هذا فهو صحيح، ويدخل في العموم بابه من باب أولى. ويحتمل أن يريد التقييم ودلّ عليه السياق، كأنه قال: وحذف ما يُعْلم من المبتدأ والخبر جائز. وعلى هذا يدلُّ ما مَثّل به.
وقوله: «وَحَذْفُ ما يُعْلَمُ جَائِرٌ» فيه إشكال من ثلاثة أوجُهٍ:
أحدهما: أن العلم بأ؛ د الجزأين قد يكون علما مطلقا كالأمثلة التى مَثّل، وهو العلم الذى يُعَيِّن الجزء، والحذف مع هذا العلم جائز بلا إشكال؛ إِذِ المحذوف معه كالمثبت، وعبارة الناظم منطبقةٌ عليه. وقد يكون علما لا مطلقا، بل يكون الخبر معلومًا على وجه وغير معلوم على وجه، كما إذا قلت: زيدٌ، وحذفت الخبر، أو قلت: قائم، وحذفت المبتدأ. فهذا وما كان مثله يطلق عليه أنه معلوم، لكن علمًا إجماليًا دلّ عليه الكلام، لأن المبتدأ يقتضى خبرًا على الجملة، والخبر يقتضى مبتدأ على الجملة، فالقرينة مُعرفة بالمحذوف. فهو من هذا الوجه معلوم، ومن جهة التعيين مجهول. لكن العرب لا تراعي جهة العلم هنا ولا تعتبره، بل تُغَلِّب جهة الجهل فلا تجيز الحذف البتة، ومع هذا فيصدق أنه معلوم. والناظم لم يقيد العِلْم، فليس له ما يمنع دخول مثله تحت قوله: «وّحَذْفُ ما يُعْلَمُ»، وعند ذلك يقتضى جواز الحذف في مثل: زيد قائم، إذا لم يدل دليل على التعيين لكن هذا غير صحيح وغير جائزٍ باتفاق، فإِطلاقه غير مستقيم.