والثاني -على تسليم أنه أراد العلم بالتعيين- فحكمه بأنه جائز على الإطلاق، من غير تقييد، غير صحيح؛ فإن حذف ما يعلم على وجهين:

أحدهما: جائز كالأمثلة المذكورة.

والثاني: واجب لا جائز، كالحذف بعد لولا، وبعد الواو التى بمعنى «مع»، وسائر ما ذكر بعد. فإذًا ليس كلُّ ما يعلم فيحذف يكون جائزَ الحذفِ، بل قد يكون جائزًا وقد يكون واجبًا.

والثالث: أنه أطلق القول بجواز الحذف في كل ما يكون معلوما من الجزأين، وذلك ليس على إطلاقه، فإن للإثبات مقاصد في كلام العرب لا تنكر، كما أن للحذف مقاصد، فقد يكون الجزء معلوما ولا يجوز مع ذلك الحذف بحسب قصد المتكلم؛ ألا تراهم جعلُوا لحذف الفاعل مقاصد كثيرة، ومثلها يلزم في إثباته؛ إذ لا فرق في المقاصد البيانية بين الحذف والإثبات. ومن أنكر هذا فهو صائم عن فهم كلام العرب. فإن لم يسامح في عدم اعتبار المقاصد البيانية، سردنا عليه مقاصد الإثبات التى لا يسوغ معها الحذفُ وإن كان الجزء معلومًا، فيتكسر عليه قوله: «وَحَذْفُ ما يُعْلَمُ جَائِزٌ». وهى مبسوطة في كتب أهل البيان. وإن سامحناه في ذلك. وقد كان الأولى أن لا يُسامح، لاعتباره المقاصد البيانية في مواضع كما مَرّ في فصل «التقديم والتأخير» -وَرَدَ عليه أيضا بحسب النظر النحوىّ مواضعُ يوجد فيها العلمُ ويمتنع الحذف، فمنها: خبر ما التعجبية لا يجوز حذفه وإن كان معلومًا؛ قال ابن الحاج: لأن القصد من التعجب كأنه منافٍ للاختصار. قال ومثل التعجب في هذا خَبر المقصود في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015