وقد يُجَابُ عن هذ بأنه لم يقصد حصر المواضع كلّها، بل نبّه على جملةٍ منها يُلْحَق بها ما عداها مما لم يذكره. وأيضًا فإن الموضع الأول قليل جدًا، ومما لا يَعْتَبِرُ مثله الناظمُ لأنه سماعِىٌّ وجارٍ مجرى المثل الذى شأنهُ أَن لا يُغَيِّر، والموضع الثاني ليس المبتدأ فيه بصريح، فلم تعْيَنِ به كُلّ الاعتناء. والله أعلم.
(ثم قال):
وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا
تَقُولُ: زَيْدٌ. بَعْدَ: مَنْ عِنْدَكُما؟
وَفي جَوَابِ: كَيْفَ زَيْدٌ؟ قُلْ: دَنِفْ
فَزَيْدٌ اسْتُغْنِىَ عَنْهُ إِذْ عُرِفْ
لما تَكَلّم على أحكام المبتدأ والخبر مثبتين، أخذ في الكلام على عروض الحذف فيهما. والقاعدة أن الحذف في كلام العرب لا يكون إلا حيث دلّ عليه دليلٌ من قرينة لفظيّة أنّ معنوية، لأنه لو لم يكن عليه ديل لاختل المقصودُ من الإفهام، فإنك لو قلت ابتدءًا: زيدٌ، وأنت تريد: قائم أو خارج، ولم يكن ثَمّ مما يدلّ عليه، لم يقع بما تكلّمت به فائدة، وكذلك لو قلت: قائم أو خارج، وأنت تريد الإسناد إلى زيد، ولم يكن ثَمّ قرينة تَدُلّ -لم يكن في الكلام فائدةٌ، وهذا حيث يكون ثمّ دليلٌ على محذوف، لكنه لا دليل على تعيينه، وأما لم يكن في الكلام دليل على محذوف، فأحرى أن لا يُحْذف. وقُصَارانا أن نقولَ هنا: إِنّ الكلام لم يحذف منه شئٌ البتّةَ، كما إذا قلنا: زيدٌ قائم، فأنت لا يصح لك أن تقول: إن هذا الكلام محذوفٌ منه؛ إذ هذه دعوى [ليست بأولى من دعوى] عدم الحذف،