ومثّلَ ذلك بقولهم: لله درُّك! ولله أنت! فإنّه يدُلُّ مع التقديم على معنى التعجب، ولو قلت: دَرُّك لله، وأنت لله، لم يدلّ على ذلك. وكذلك قولُهم: سواء علىّ أقمت أم قعدت، فقولهم: «أقمت أم قعدت» هو المبتدأ م جهة المعنى، والتقدير: سواءٌ علىّ قيامك وقعودك. ولو قلت: أقمت أم قعدت سواء علىَّ، لتوهّم السامعُ أنّك مستفهمٌ حقيقةً، وذلك غير متوهم مع تقديم الخبر الذى هو سواءٌ.
والثاي: الخبر الذى مبتدؤُه أنّ المفتُوحة المشدّدة ومعمولاها، نحو قولك: في علمي أنّك صادق، وعندي أنَّ زيدًا قائم. ولا تقولُ: أنك صادقٌ في علمي، ولا أن زيدًا قائم عندي.
ووجه ذلك عنده إِما خوفُ التباسِ المفتوحةِ لو قدمت بالمكسورة، وإما خوف التباس المصدرية بالتى لمعنى لعلّ، وإما تعريضها لدخول إِنّ المكسورة عليها مباشرة. وهو نحو تعليل سيبويه.
وإمّا يلزم تأخير «أَنّ» وتقديم الخبر إذا لم يتقدم الكلام أمّا، فإن تقدمت لم يلزم تقديم الخبر، نحو: أمّا أنَّ زيدا قائمٌ ففي علمي.
فإذًا حَصْرُ الناظمِ لمواضع وجوب التقديم يقتضى ألا يلزم إلا فيما ذكر، فعلى هذا يجوز تأخير الخبر في هذين الموضعين وما أشبههما مما لم يذكره، وذلك غير صحيح.