قال سيبويه: فلو قلت: نقسك, أو رأسك, أو الجدار, كان إظهار الفعل جائزا نحو قولك: اتق رأسك, واحفظ نفسك, واتق الجدار.
قال: فلما ثنيت صار بمنزلة إياك, وإياك بدل من اللفظ بالفعل, كما كانت المصادر كذلك, نحو: الحذر الحذر.
وقوله: "كالضيغم, الضيغم" مثال من التكرار, و"ياذا الساري تمام المثال, اسم فاعل من: سرى يسري, وهو سير الليل خاصة, والضغيم: الأسد.
وشذ إياي ولإياه أشذ ... وعن سبيل القصد من قاس انتبذ
لما ذكر أولا أن التحذير إنما يكون للمخاطب على حسب ما أشار إليه في المثال المتقدم نبه هاهنا على ما يخالف ذلك المثال أنه شاذ, وأتى في هذا القصد بمسائل ثلاث:
إحداهما: بيان شذوذ (إيا) المتصلة بياء المتكلم, نحو: إياي, وإيانا, فلا يقال عنده: إياي والأسد, ولا إياي والشر, وإنما لم يجز ذلك لأن الإنسان لا يأمر نفسه, ولا ينهي نفسه, وإنما الأمر والنهي للمخاطب, وما جاء من ذلك فشاذ يحفظ ولا يقاس عليه.
ومن ذلك قولهم: إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب, حكاه سيبويه, ومعنى الحذف أن يرميه بسيف ونحوه.
وحكى أيضا عن بعض ملوك اليمن: إياى وإيا الركب.
وحكى أيضا سيبويه: أن بعضهم يقال له: إياك, فيقول: إياك, فيقول: إياي, كأنه قال: إياي أحفظ وأحذر.