وعادته أن يعبِّر بالقليل عما جاء في الكلام، ولم يَختص بالشِّعر. وقد تقدم التَّنْبيه على ذلك في مواضع. ويعبِّر أيضا بالنُّدور عما جاء في الكلام وهو مُحْتَمِلٍ للقياس عليه وعدمِه.
فلما كان الأمر كذلك حَرَّرَ ما عسى أن يُفهم له منه إجراءُ القيَاس بقوله: ((ولاَ تَقِسْ عَلَى الَّذِي مِنْه أُثِرْ)) اي لا تظن أنه مِمَّا يُقاس وإن كان قليلا، بل اعتَقِدْ أنه عندي في هذا الكتاب غيرُ مقيس بإطلاق/ وإن كان قد جَعل في ((التَّسهيل)) بعضَه قياسا (?)، وهذا المعنى يُحْتاج إلى ... 539 ذِكْره، فليس في الكلام حَشْو. وابن مالك ممَّا يَقْصد قَصْدَ هذه التَّنْبيهات، فلا تُهمل النظرَ في كلامه، والتأمُّلَ لمَنَاحِيه، فإن تحت كلامه دقائقَ محتاجاً إليها.
و((أُثِرَ)) معناه: ذُكِر ونُقِل عن العرب، يقال: أَثَرْتُ الحديثَ آثِرُه، إذا ذكرتَه عن غيرك، ومنه يقال: حَدِيثٌ مَأْثُور، أي يَنقله الآخِرُ عن الأول.
ومنه في حديث عمر رضي الله تعالى عنه ((فما حَلَفْتُ به ذَاكِرا ولا آثِراً (?))) أي: ولا مُخْبِرا عن غيري، يعني الحِلَفَ بأبيه. ثم قال:
وَفِعْلُ هَذَا الْبَابِ لَنْ يُقَدَّمَا
مَعْمُولُهُ ووَصْلَهُ بِه الْزَمَا
يعني أن الفعل في التعجُّب، وهو (أفْعَلَ، وأَفْعِلْ) يلزم طريقةً واحدةً مع معموله، فَيتقدم الفعلُ على معموله، ويَتأخَّر المعمولُ لزوما، ولا يتقدم المعمول.