الشِيءَ أخفيتُه وضَرْبٌ يكون معناه مجتمعا مع معنى (أَفْعَلَ) في معنى المادة في الأصل نحو: كَلَّ الرجلُ، أَعْيَا، وأَكَلَّ القومُ، ضَعُفَتْ دوابُّهم.
فهذه جملة أقسام، خَصَّ ابنُ عصفور منها ما همزتُه للتعَّدية بالمنع، ولا يظهر للاختصاص مُوجِب يَقْضي بالامتناع هنا والجوازِ في البواقي. بل الذي يظهر لأول النَّظر في البواقي أن لا يُتَعجُّب منها، لأنه يؤدِّي إلى الالتباس، وهو التباس التعجُّب من (أَفْعَلَ) بالتعجُّب من (فَعَلَ) فكان ينبغي على هذا ألاَّ يجوز التعجُّب إلا من القسْم الأول خاصَّةً، وهو الذي لم يُستعمل منه (فَعَلَ) أصلا، وهم مِمَّا يُحافظون في هذا الباب على رفَع اللَّبس، ولذلك لم يتعجبَّوا من المنفىِّ ولا فعلِ المفعول، وفَرَّقوا في قولهم: (ما أَبْغْضَهُ لِي، وإليَّ، وما أَحَبَّهُ لِي، وإليَّ) بين المعاني. فالذي ذَهب إليه من التَّفرقة غيرُ صحيح.
وفي الشَّرط الرابع وقع لابن عُصفور خلافُ ما عليه الناس، وذلك أنه قد تقدم في معنى قابليَّة الفَضْل أنها تصوُّر المفاضلةِ أو إمكانُها بحسب شخْصَيْن أو حالَيْن أو وقتَيْن، فما لا يُتصور فيه مفاضلةٌ بحسبِ هذه الأشياء فلا يتعجَّب منه.
فـ (العَمَى والموت) مثلاً ممَّا لا يُمكن فيه المفاضلة، لأنه لا يختلف شخصان مشترِكان في العمى أو الموت أن يقال: إن أحدهما أَفْعَلُ من الآخر فيما دَلَّ عليه مدلولُ العمى والموت، بخلاف (الكرَم والشَّجاعة) مثلا، فيمكن أن يقال فيهما: إن هذا الرجل أفعلُ من الآخر، من لفظ الشجاعة والكرم.
وحاصل ذلك أن كل ما يقال فيه: (فعلٌ جداً) أو (فاعلٌ كثيراً) وما أشبه ذلك، يُتَصَّور ان يقال فيه: (ما أَفْعَلَهُ، وأَفْعِلْ به، وهو أَفْعَلُ من كذا) وأن يقال منه: (لَفَعُل) ومَا لاً فَلاَ.