ويَقتضي كلامُ ابن عصفور أن الأمر ليس كذلك، لأنه جَعل من الخِلَق الثابتة التي لا يُتَعجَّب منها قياسا الحُسْنَ والقُبْحَ، والطُّولَ والقِصَر، والهَوَجَ والنُّوك، والْحُمْقَ والشَّنَاعة، وما أشبه ذلك (?)، كأنه إنَّما اعتبر/ أن كلَّ متَّصِف بالحُسْن لا يتغيَّر عن ذلك، فالحُسْن صفة لا تزيد ولا ... 527 تنقص بحسب الشخص، وكذلك القبح وغيره، وجَعل التعجبَ من هذه الأشياء شاذاً.

وما يوهمه غير صحيح؛ فإن المقصود ما تقدَّم من تصوُّر المفاضلة على الجملة، وجميعُ ما ذُكر تُتصَّور فيه المفاضلة في أنفسها، وبحسب الأشخاص أيضا، فالحُسْن والقُبْح يختلف في الشخص الواحد بحسب انتقالات الحيوان، من الطفولة إلى الشباب، ثم إلى الكُهُولة، ثم إلى الشيَّخوخة.

وكذلك الهَوَجُ والنُّوكُ والحمقُ والشَّناعة، فإنها أوصاف تَختلف بحسب الأشخاص، وبحسب حالَيْن ايضا في الشخص الواحد، إذ ليست تُطلق في كل موضع على فَقْد العقل الفاصل بين الإنسان والفَرَس، بل قد تُطلق على الوصف الذي هو في نظر الواصف بها قريبٌ من ذلك، فتُطلق على خِفَّة الحركة، وقِلَّة التثبُّت، وعدم الإحكام والتُّؤَدة، فقد يكون هذا الوصف أشدُّ في حَقِّ الشخص الواحد وأضعفَ في حالَيْن.

فأما عدمُ العقل جملةً فلا يمكن فيه اختلاف، فلا يصح التعجُّب منه، وليس كلامنا فيه.

هذا ما يقال فيه من جهة النَّظر. وأما النَّقل فلا يَحتاج إلى شاهد لكثرته، وقد اعتَرف هو بوجوده. وقد نَصَّ سيبويه على وجه جواز:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015