والثالثة (?): أن إضافة يَدَىْ للبَّىْ شاذٌّ، فيعطي أنه لا يُقاس عليه، وهذا يُشْكِلُ من جِهتينِ:
إحداهما: جعلُه إيَّاه من الشاذِّ، والشاذُّ هو عنده ما اختص بالشعر، أو جاء في كلام نادِرٍ لم يكثُر ولم يشتهر في الاستعْمال. وهذا ليس كذلك لما تقدَّم آنفا من دلالة الحديث على أنه كان مستَعْملاً عند العرب معهودا، ولذلك نهي عنه - صلى الله عليه وسلَّم- ولو لم يشتهر عندهم لم يَنْهَهُم عنه، وهذه عادَتُه- عليه السلام- فيما اعتادُوه من الأقوالِ والأفعالِ المخالفةِ للشَّرْعِ.
وأيضا فإنَّ بيتَ الكتابِ يُشْعِر بذلك، فليس من الشاذِّ النادرِ؛ بل هو من الكثير المستعملِ، لكن مختصُّ باليدين، فكان من حَقِّه أن يجعله قياسا في موضعه، ولا يمنعَ منه، وهذه هي الجهةُ الثانيةُ من جِهَتَيِ الإشكالِ.
والجواب: أنَّ الحديث لا نُسَلِّم أنه يُشْعِرُ بكثرة ذلك، وإنما (?) فيه دلالةٌ على أنّه سَمِعه أو بَلَغه (?) عمن قاله فيمكن أن تكون كلمةٌ قيلت على غير عادة، فيكون من النادر والشاذ، وإذا احتَمَلَ هذا لم يكُنْ فيه دليلٌ، وإن سُلِّم أن ذلك اعتِيدَ في الاستعمال، فلا يلزم من ذلك خروجهُ عن نصاب الشاذّ ودُخولُه في القياس، لأن الشاذّ عند النحويين على ثلاثة اقسام: شاذٌّ في الاستعمال دون القياس، وشاذٌّ على العكس، وشاذٌّ في القياس والاستعمال جميعاً، فيكون هذا من الشاذَّ في القياس دون الاستعمال كأنه لم يكثر (كثرة) (?) توجب (?) القياس عليه، وقد تقدَّم