فالجواب: أنه يمكن أن يكون أحال على معنى ابتداء الغاية في (من)؛ لأنه أول معنى ذكره، أو لأنه الذي يتوهم ابتداء في (مذ)؛ لأن غير هذا المعنى في (مذ) و (منذ) لا يصح. وهذا تلفيق، والظاهر ورود السؤال. وقد مر له مثل هذا في فصل الباء في قوله: (ومثل مع ومن وعن بها انطلق)؛ إذ أحال على معنى (من)، ولم يبين أي المعاني أراد.

وأما (في) فلما كان معناها يشعر بمعنى الغاية استغنى بذكرها عن ذكر الغاية، أو يكون ذهب إلى أنهما هنا- أعنى مذ ومنذ- طرفتين بمعنى (في) حقيقة. وقد قال بذلك بعض النحويين كالجز ولي؛ إذ يصح وضعها موضعهما، فتقول: ما رأيته في عامنا، وفي شهرنا، وإذا صح وقوعها موقعهما، فذلك الدليل على أن معناهن واحد على حكم الترادف. ولكن هذا مخالف لما ذهب إليه كثير من النجاة، وقد تبين وجهة.

ثم أعلم أن هذا الفصل لم يخلصه الناظم كل التخليص؛ بل فيه نظر من ستة أوجه زيادة على ما تقدم:

أحدهما: / أن ظاهر مساقة أن (مذ) على وجهين، لكن إذا تأملته لم يحصل ذلك؛ لأنه إنما قال: (ومذ ومنذ اسمان) في موضع كذا، ثم قال: (وإن يجرا في مضي فمعناه كذا) وليس كونهما بمعنى (من) و (في) بدالين على كونهما حرفين؛ إذ الأسماء المتضمنة معنى الحرف دالة على معنى الحرف، وليست لذلك بحروف، وكذلك يقال هنا: إنهما بمعنى (من) و (في) مع ثبوت الاسمية لابتداء الغاية، أو للغاية كلها، ولذلك يقول النحويون: إنما بنيا لشبه الحرفين في اللفظ، وأصل المعنى، فهذا ممكن أن يدعيه مدع، فلا يظهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015