شهرنا ومذ عامنا، فمذ ومنذ في هذا القسم مؤديان معنى (في) التي تقتضي الظرفية، وهو مراده بقوله: (وفي الحضور معنى (في) استبن) أي: استنبن في جر الزمان الحاضر بهما معنى (في)، فإذا قلت: ما رأيته منذ يومنا، فمعناه: ما رأيته في يومنا، وكذلك ما رأيته منذ عامنا، معناه: في عامنا.

ومعنى قوله: (في مضي) في اسم ذي مضى، فهو على حذف المضاف وكذلك قوله: (وفي الحضور) أي في ذي الحضور معنى (في) استبن.

فإن قيل: إن الناظم هنا لم يقيد كون مجرورهما زمانًا ولا بين معناهما، كما بين سائر معاني الحروف الجارة، وذلك قصور في البيان.

فالجواب أن تقول: بل قد بين ذلك.

أما كون مجرورهما زمانًا فقد تقدم له أول الباب بقوله: (واخصص بمذ ومنذ وقتًا).

وأما بيان معناهما فبقوله هنا: (وإن يجرا في مضي فكمن هما) يعني أن معناهما معنى (من)، وهو ابتداء الغاية.

وقوله: (وفي الحضور معنى (في) استبن) يعني أن معناهما الغاية كلها، ولذلك يصح أن يقدرا بمن وإلى معًا، فتقول في نحو قولك: ما رأيته مذ عامنا، تقديره: ما رأيته من أول عامنا إلى آخره.

فإن قيل: هذا من قوله غير مفهوم؛ لأن قوله: كـ (من) ليس فيه ما يدل على معنى ابتداء الغاية، ألا ترى أنه أحال في معناها على (من)، ولمن معانٍ جملة ذكرها، فما الذي يعين معنى ابتداء الغاية دون غيره؟ وقوله: (معنى (في) استبن) إنما يدل على أن معناهما الظرفية؛ إذ هي معنى (في)، ومعنى الظرفية ليس هو معنى الغاية كلها، بل هما معنيان مخلفان، فلا يدل أحدهما على الآخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015