هذه الأمور، وهي مما لا ينبغي ارتكابه لمخالفته صنعة القياس.
فالجواب: أن الإضمار لما كان يلزم منه مخالفة الأصل، وكان عدم الإضمار أيضًا يلزم عليه ما قال من اختلاف الاستعمال تعارض الأصلان، فرجح جانب عدم الإضمار حملًا على الظاهر، وليس فيه ما يخل بالكلام، والإضمار دعوى زيادة في الكلام لو سكت عنها لم تخل به. وأيضا فإضمار شيء- لو ظهر لم تحصل به فائدة- عبث.
وأما الابتداء بالنكرة من غير مسوغ فلنا أن نجيب عنه بأمرين:
أحدهما: أن ندعي التنكير، والمسوغ للابتداء بها حصول الفائدة، فإن تعداد المسوغات ثان عن حصول الفائدة، (فليس فيها حصر إلا بحصول الفائدة؛ وهي هنا حاصلة، فلا مطلوب سواها). وقد تقدم في باب الابتداء بسط هذا المعنى.
والثاني: أن تدعي أن (مذ) و (منذ) لفظهما لفظ النكرة، والمعنى معنى المعرفة، ولذلك نظير، وهو قول العرب: لقيته عامًا أول، فلظه لفظ النكرة، والمعنى معرفة؛ لأنه يريد العام الذي قبل عامك. وعلى هذا حمل طائفة قولهم: لقيته ضحى وضحوه وعشاء وعشية/ وأخواتها من يوم بعينه، / 321/ فليس (مذ) و (منذ) على هذا عديمي المسوغ للابتداء بالنكرة إن ادعي أنهما نكرتان، ولا غير معهودي التعريف إن أدعى أنها معرفتان. وأما التخلص من جعل الجملتين جملة واحدة من غير رابط، فإن (منذ) و (مذ) إذا ارتفع ما بعدها فقد أختلف في الجملة الاسمية الحاوية لواحدة منهما