اختلف الحكمان، دل على فساد قول من قال فيها بالظرفية، فلما ظهر فساده تعين صحة قول الجماعة في أنها حرف إذا جرت ما بعدها، واسم إذا رفعت.

قال شيخنا الأستاذ- رحمه الله-: لا يلزم ذلك القائل بالظرفية؛ لأن تلك المعنى موجود فيها إذا ارتفع ما بعدها، وهى هنالك اسم أو ظروف، ولم يوجب ذلك أن تكون حرفًا، وإنما وجب أن يكون كذلك من جهة أنها كلمة موضوعة لابتداء الغاية، أو للغاية كلها، فكل كلمة لها حكم نفسها الذي وضعت له.

ثم استدل على صحة قول الجماعة، وبطلان قول الآخر المخالف بأنها إذا جرت ما بعدها كلمة لا معنى لها إلا من غيرها، ولم توجد إلا مبنية ليس لها حكم من أحكام الأسماء في ذلك الموضع، فوجب القول بالحرفية، وقد كان ينبغي أن يحكم عليها بذلك إذا ارتفع ما بعدها لولا أن فيها هنالك حكمًا من أحكام الأسماء، وهو استقلال الكلام بها مع ما بعدها، وليست بفعل، فهذا هو السبب في القول بحرفيتها إذا انجر ما بعدها، وهو الثاني من الوجهين، فثبت أن (مذ) و (منذ) على وجهين، كما قال الناظم. وأيضا فإن (مذ) و (منذ) في الزمان كـ (من) في الزمان والمكان لابتداء الغاية، وللغاية كلها، فقد ساوتا (من) في المعنى، وساوتاها أيضا في عمل الجر، فهما مثلها، ولو تأتت دعوى الحرفية إذا وقع بعدهما المرفوع، أو الجملة لم ينتقل عنها. أما مع المرفوع؛ فإن حروف الجر لا يرتفع ما بعدها. وأما مع الجملة؛ فلان حروف الجر لا تدخل على الجمل اختيارًا؛ فقيل بالاسمية لذلك. فإذا تقرر هذا فالناظم ابتدأ بقسم الاسمية، وعين لها موضعين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015