الأئمة - سيبويه، وغيره - فإن القياس جاٍر فيها، وما ذكر في الباء بمعنى (مع) مقول في التي بمعنى (عن) و (من)؛ إذ لا يقال: أعرضت بفلان، تريد: أعرضت عنه، ولا: نبت به، بمعنى: نبت عنه، ولا: رضيت به، بمعنى: / رضيت عنه، وكذلك لا تقول: أكلت بالرغيف، تريد: من الرغيف، ولا: أنفقت بالدراهم، تريد: من الدراهم، وهذا كله واضح، فما أطلق فيه من القياس غير مستقيم، أو يلتزم القول بقياس هذه الأمثلة، وهو غير صحيٍح.

والجواب عن الأول: أن هذا الموضع مختلف فيه بين النحويين، فأجازه قوم أكثرهم الكوفيون، ومنع منه قوم أكثرهم البصريون والخلاف راجع إلى تحقيق أصٍل، وذلك أن أهل البلدين متفقون على أنه موقوف على السماع؛ إذ المجيزون لا يجيزونه في كل موضع، والمانعون إنما سوغوا التأويل فيما سمع، وهم لا يجيزون مثل ذلك على ذلك التأويل، وأيضًا الحمل على المعنى لا يقاس في كل موضع، ولم يعدوا هذا الموضع مما يقاس.

وإذا ثبت هذا، وكان ما ورد من وقوع الحروف في مواضع أخر لم يكثر كثرة يعتد بها في القياس رده المانعون إلى أصل آخر لاحتماله، ولم يعتبر المجيزون ذلك الاحتمال أخذًا بالظاهر، وعملًا بالظن في أن تلك الحروف قد أدت تلك المعاني، كما أدت معانيها المتفق عليها، فكأن الباء مثلًا مرادفة لمع في معنى (مع) ولمن وعن في معناهما في الاستعمال، إلا أنهم لم يبلغوا الأصل الذي اعتبره المانعون جملة؛ بل جعلوا الحرف منسوبًا إلى الحرف، فقالوا: الباء تأتي بمعنى (من) مثلًا، ولم يقولوا: إن الباء ومن تأتيان للتبعيض؛ إعلامًا - والله أعلم - بأن معنى التبعيض في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015