فالمجرور في موضع نصٍب على الحال؛ إذ هو حال من الفاعل وحدة، ولو كان من الفاعل والمفعول معًا لصح تعلقه بالفعل الظاهر، فلا يكون في موضع الحال بناء على ما تقرر قبل في باب الحال، وإذا كان كذلك كان التقدير: آتيًا أو ملتبسًا بالحق، فتخرج الباء إلى معنى الإلصاق والاختلاط، وكذلك الباء في قوله: {اهبط بسلاٍم منا}. و {تنبت بالدهن. وسائر ما جاء في الباب من ذلك. وعلى هذا النحو أو ما يرجع إليه يتخرج كونها بمعنى (من) أو (عن) من غير استحداث معنى لم يتقرر بعد؛ فإذًا ما ارتكب الناظم غير مخلص.
والثاني من النظرين: أن ظاهر هذا الكلام أن وضع الباء موضع هذه الحروف مقول أو معمول به قياسًا؛ لقوله: (ومثل مع ومن وعن بها انطق) أي ضعها في وضع هذه الحروف، واستعملها فيها من غير قيد، وهذا غير صحيٍح. ألا ترى أنك لا تقول: جعلت يزيٍد رفيقًا، بمعنى جعلت معه رفيقًا، ولا: وضعت درهمي بالدراهم، تريد مع الدراهم، ولا: سيرت زيدًا بالبريد، تريد مع البريد، ولا: زيد بعمرو، تريد مع عمرو، وتقول: الله معك، كما قال الله تعالى: {والله معكم}. {وهو معكم أينما كنتم}، ولا يصح أن تقول: الله بك.
فإن قيل: إنما منع هذا للإبهام.
قيل: إن سلم فالوجه الآخر مانع أيضًا. وهو الشامل لها، وذلك أن هذه المواضع التي استشهد بها المؤلف على تلك المعاني، وإن كان فيها كثرة لم تبلغ مبلغ أن يقاس عليها غيرها، وكذلك جميع ما يذكره من هذا اللفظ لا يبلغ مبلغ القياس، فلا يقال منه إلا ما سمع، بخلاف المعاني الأصلية التي أثبتها