وإنما يريد: ايت بها في الكلام وجر بها إن شئت ذلك، لكن ليس في كلامه نص على إظهارها، وبذلك يكون كلامه غير محرٍر؛ إذ قد يفهم منه الجر بها مضمرة، لأن من التمييزات ما يجر كذلك، وذلك مميز كم الاستفهامية، إذا أدخل عليها جار نحو: بكم درهٍم اشتريت ثوبك؟ فدرهم عند الناظم مجرور (بمن) مضمرٍة، نص عليه في بابه، وكذلك قولك: كم غلاٍم أعتقت. في الخبرية، الغلام عند بعض القدماء مجرور (بمن) مضمرة، لأن المعنى في الجميع شاهد من حيث كان معنى (من) مفهومًا ظاهرًا، فقد يقول القائل: هذا كذلك، وليس بصحيح؛ إذ لا يجوز هنا الجر إلا (بمن) ظاهرًة أو بإضافٍة كما تقدم. فعبارة الناظم موهمة.
والعذر أنه لو كان قصده الإضمار لبين ذلك، ولا يحتاج إلى بيانه إذا لم يكن إضمار، وذلك أن قاعدة العوامل وأصلها أن تعمل ظاهرًة ملفوظًا بها، فإن عملت وهي مضمرة فذلك عارض لها ليس بأصٍل، ولا بد من التنبيه على ذلك العارض، فعادته وعادة غيره أنه إذا تكلم في العمل لا يحتاج إلى تقييد العامل بكونه ظاهرًا إذا كان باقيًا على أصله، فإن عرض له الإضمار نبه عليه، وكذلك فعل في كم حين بين أن درهمًا في قولهم: بكم درهٍم اشتريت ثوبك؟ وفي غير ذلك من المواضع التي يضمر فيها الجار، فلما يقيد هنا (من) بكونه مضمرًة، علمنا أنها إنما تعمل على أصلها من الإظهار. وهذا بين.
وقوله: (إن شئت) تخيير بين النصب المذكور أولًا والجر، أي أن أحدهما ليس بخارج عن القياس؛ بل هما معًا جائزان قياسًا، فلك الخيرة بينهما في الاستعمال إلا في موضعين استثناهما: