ذلك لم يفهم ما المتعجب منه، فاحتجت إلى التمييز لتبين ما أردت التعجب منه فقلت: شجاعًا أو كريمًا، كما كان قولك: (عشرون) مبهمًا في المعدودات حتى قلت: درهمًا أو ثوبًا. قال سيبويه: حين تكلم على وجه نصب هذه الأشياء: "ومع هذا أنك إذا قلت: ويحه فقد تعجبت وقد أبهمت من أي أمور الرجل تعجبت وأي الأنواع تعجبت منه، فإذا قلت: فارسًا أو حافظًا، فقد اختصصت ولم تبهم وبينت في أي نوٍع هو". فلما كان للتعجب وجه في الإبهام نص على أن التمييز يقع بعده، ويلزم من ذلك النصب، لأن التمييز لا/ يكون إلا منصوبًا، والظاهر في تفسير كلامه الوجه الأول. وعلى كل تقديٍر فالنصب لازم، لأن التمييز هنا إما من مضاٍف، وإما من مؤوٍل بالمضاف فقولك: لله دره فارسًا في تأويل: ما في الدنيا مثله فارسًا، وكذلك: حسبك به عالمًا وما أحسنه فارسًا. وسائر ما تقدم على هذا التأويل يجري، فيصير المبهم هو المثل وهو مضاف، فلا يمكن فيه الجر. والله أعلم. ثم قال:

وأجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسًا تفد

يعني أن التمييز يجوز جره بمن ظاهرة، فتقول: لي ملوه من عسل. وهذا راقود من خل، ورطل من زيٍت، ومنوان من عسٍل، وما في السماء موضع راحة من سحاٍب، ولله دره من رجل، وحسبك به من رجٍل. وما أشبه ذلك كله جائز، وإنما جاز لأن التمييز هذا أصله، فهو إذا انتصب إنما ينتصب على تضمين معنى من، فساغ إظهارها والجر بها، ولا يريد بقوله: (واجرر بمن) أن الجر بها جائز وهي مقدرة متضمنة؛ لأن حروف الجر لا يبقى عملها مع عدم ظهورها، وما جاء من ذلك في الشذوذ لا معتبر به،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015